الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

الأخلاق وأثرها في إحياء الأمة

مرهف بن حسين أسد

الأخلاق

لقد جاء الإسلام ببرنامج تربوي منظم على أساس فطرة الإيمان، لبناء أمة صالحة تحتضن أجيالا تؤمن بالله واليوم الآخر.

الأخلاق في الإسلام

يستند الإسلام في برنامجه على قوة الضمير الأخلاقي

وهو يستند في برامجه على قوة الضمير الأخلاقي الذي زرعه الله سبحانه وتعالى في نفوس البشر، بهدف بناء مجتمع تحكمه الصفات الإنسانية والسجايا الأخلاقية النبيلة المبنية على أساس من المبادئ الإيمانية المتينة، التي ترسخ في المجتمع الإسلامي مجموعة من المقومات التي تحدد أساس وجوده وقوة شخصيته، سواء على المستوى الديني أو الاجتماعي أو الأخلاقي أو الاقتصادي أو السياسي.

غير أن تلك المبادئ باتت تؤرق الكثير من أعداء هذا الدين، وتجعلهم يسعون بشتى الوسائل الممكنة لإقصاء الدين الإسلامي عن ساحة الحياة، لأنه -كما يعتقدون- يمثل بمبادئه وأخلاقه المعارض الأول والخطر الأكبر الذي يهدد وجودهم ومصالحهم، خاصة في ظل هذه الظروف التي نعيش فيها، إذ تكشف ما كان سرا وأصبح العمل مكشوفا على سمع الناس وأبصارهم.

فجندوا جنودا مدربين ومزودين بأفكار تؤجج الفتن والشتات في صفوف المسلمين، وتسعى في انتشارها بينهم انتشار النار في الهشيم.

إن مستعمري العالم يخافون دائما من وعي الشعوب المسلمة، وخاصة الشباب فيها، ولذلك فإن جانبا من برامجهم الواسعة لاستمرار سيطرتهم وتبعية المجتمعات الإسلامية لهم، موجهة لإغراق المجتمعات بالغفلة والجهل والضلال، وإبعادهم عن تلك المبادئ الإيمانية التي تمثل أساس وجودهم، وإشاعة الرذيلة وتخدير الناس عن الأمور الجليلة التي تنتظرهم.

من هنا لم يجد الغربيون وسيلة أفضل ولا أسرع من هدم أخلاق تلك المجتمعات ومبادئها لتصل إلى مبتغاها، ولتحقق مآربها.

مكانة الأخلاق في الإسلام

إن الأخلاق شطر من صميم الإسلام، تجتمع مع العقيدة والشريعة في منهج متكامل يمثل بمجموعه الدين الإسلامي، فهي داخلة في دائرة الدين لا تنفصل عنه ولا تتغير بتغير الأزمان والبيئات كغيرها من التقاليد والعادات، وهي الركيزة الأساسية للحضارات والمجتمعات، لهذا ربطها الله سبحانه وتعالى جنبا إلى جنب مع الشعائر والعبادات حيث قال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)} (المؤمنون:1-11).

وفي لوحة أخرى من لوحات كتاب الله، يمزج سبحانه بين الأخلاق الربانية كخشية الله سبحانه وتعالى، وخوف سوء الحساب، والأخلاق الإنسانية من وفاء وصبر وصلة وإنفاق ودرء للسيئة بالحسنة، فيقول: {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22)} (الرعد:19-22).

وليست آيات سورة الفرقان والرحمن ببعيدة عمن أراد قطف طاقات من مكارم الأخلاق ومحاسنها، واستشعار حسن الدين وكماله فيها: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)} (الفرقان: 63-76).

من خلال هذه اللوحات تتضح منزلة الأخلاق في الإسلام، ومكانتها في تكوين بنيان المجتمع المسلم، وترسيخ دعائمه.

وكما هي وظيفة السنة الشريفة من تبيين وتأكيد لما جاء في القرآن، فقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وأكد أهمية محاسن الأخلاق في حياة المسلم، ومدى عظم الأجر الذي يصيبه إن اصطبغ بها، فقال: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق».

وقال أيضا في وصيته لأبي ذر -رضي الله عنه-: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن».

وعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- ، قال: لقيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فبدرته، فأخذت بيده، وبدرني فأخذ بيدي، فقال: «يا عقبة، ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة؟: تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، ألا ومن أراد أن يمد في عمره، ويبسط في رزقه، فليصل ذا رحمه».

وسئل -صلى الله عليه وسلم- يوما: أي المؤمنين أفضل؟ فقال: «أحسنهم أخلاقا». فقيل: فأي المؤمنين أكيس؟

قال: «أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم لما بعده استعدادا، أولئك الأكياس».

وقال: «أكثر ما يدخل الجنة، تقوى الله وحسن الخلق».

وقال: «إن الفحش والتفحش ليسا من الإسلام، وإن أحسن الناس إسلاما أحسنهم خلقا».

وليس أدل على أهمية ومكانة الأخلاق من قوله: «ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة» فسكت القوم، فأعادها مرتين أو ثلاثا، ثم قال: «أحسنكم أخلاقا».

فالأخلاق في الإسلام بعد تلك النصوص البينات، لا بد أن تكون في مستهل أولويات الناس على اختلاف سوياتهم وطبقاتهم، لأنها تمثل معيار تقدمهم أو تخلفهم في الدنيا والآخرة، لهذا قرن سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بين تغير أوضاع الإنسان الفردية والاجتماعية وبين تغيير أخلاقياته وملكاته النفسية حيث قال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد:11).

وهذا ما فهمه عطاء رحمه الله تعالى وعبر عنه بقوله: «ما ارتفع من ارتفع إلا بحسن الخلق، ولم ينل أحد كماله إلا المصطفى، فأقرب الخلق إلى الله عزوجل السالكون آثاره بحسن الخلق».

حقيقة حسن الخلق

جمع بعض الصالحين علامات حسن الخلق، فقال: هو أن يكون الفرد كثير الحياء، قليل الأذى، كثير الصلاح، صدوق اللسان، قليل الكلام، كثير العمل، قليل التذلل، قليل الفضول، برا وصولا وقورا صبورا شكورا رضيا حليما رقيقا عفيفا شفيقا، لا لعانا ولا سبابا ولا نماما ولا عجولا ولا حقودا ولا بخيلا ولا حسودا، بشاشا هشاشا يحب في الله ويبغض في الله، ويرضى في الله ويغضب في الله، فهذا حسن الخلق.

غير أن تلك الصفات إن لم تصدر عن هيئة راسخة في النفس بسهولة ويسر وعفوية، من غير حاجة إلى فكر وروية، ودون تصنع، لم تكن معبرة عن الخلق الحسن، وإنما هي هيئة مريضة بأمراض الرياء والنفاق والدجل.

أما إن صدرت الأفعال المحمودة شرعا وعقلا عن هيئة مستقرة فطرت على تلك الأفعال وحافظت على نقائها وصفائها، سميت تلك الهيئة خلقا حسنا، وتلك التي يريدها الإسلام.

أما إذا كان الصادر عنها الأفعال القبيحة سميت تلك الهيئة خلقا سيئا.

وسبب كونها راسخة في النفس هو أن من يصدر منه بذل المال على النادر لحاجة عارضة لا يقال خلقه السخاء ما لم يثبت ذلك في نفسه ثبوت رسوخ، فيشترط إذن في حسن الخلق أن تصدر عنه الأفعال بسهولة من غير روية، لأن من تكلف بذل المال أو السكوت بجهد وروية لا يقال خلقه السخاء والحلم، وكذلك بالنسبة لجميع مكارم الأخلاق.

من هنا كانت الأخلاق مرتبطة بالإيمان، وتمثل مكارمها شعبه، فمن كان إيمانه قويا كان خلقه قويا حتما، وانهيار الأخلاق مرده إلى ضعف الإيمان أو فقدانه، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : «الحياء والإيمان قرنا جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر».

لذلك كان الالتزام الخلقي المحيط بالإنسان المسلم إحاطة السوار بالمعصم، دافعا له دائما إلى الطريق الصحيح، وحاميا له من أخطار المعصية والخطيئة والفساد والانحلال والإباحية، وجاعلا منه إنسانا قويا قادرا على مواجهة كل خطر كالعولمة وغيرها، والوقوف في وجه كل عاصفة.

موقف الغربيين من أخلاقنا

لقد أدرك أعداء الإسلام حقيقة الأخلاق وأثرها في حياة الفرد المسلم إن تأصلت في نفسه وسرت في عروقه، وأدركوا شدة تمسك الشباب بتلك الهالة الأخلاقية، وطموحه في أن تكون له شخصيته المرموقة، ليعمل من خلالها على كبح جماح رغباته وأهوائه، ليعيش حياة ملؤها الطهر والنقاء، لذلك وجهت حملات الغزو الثقافي الذي حمل شبهات الاستشراق حول مفهوم الأخلاق في الإسلام، دافعة إلى الساحة العربية والإسلامية بموجات من النظريات التي تتنكر لمفهوم الأخلاق وتهاجمه في عنف من خلال الصحافة التي روجت لذلك، وتبنت دعوات الإقليمية التي فرقت وحدة الأمة الإسلامية، ودعوات التحلل والإباحية بالقصة المكشوفة والصورة العارية والكلمة الجارحة.

إن الهدف من كل تلك المحاولات، هو تقليم أظافر هذه الأمة حتى تكون عاجزة عن المقاومة للدفاع عن كيانها ووجودها، فتهوي عاجزة عن حمل أمانة هذه الرسالة التي اعتنقتها وعاهدت الله على الدفاع عنها وحمايتها ونشرها في العالمين، من خلال الجهاد كمفهوم شامل، والذي لا تفتأ كل القوى والفعاليات الخارجية الناقمة، والداخلية العميلة تعمل جاهدة لتزيل هذا الركن العظيم من أذهان المسلمين من خلال طرح المفاهيم السلمية وغيرها، مما يزرع الجبن والخور والتخاذل وعدم الفاعلية في نفوس المسلمين..

لقد تكاتفت قوى الاستعمار وغيره من ماركسية وصهيونية بكل وسائل إعلانها وإعلامها وفعالياتها على تركيز جميع القيم السلبية في المجتمعات الإسلامية والتي تنافي مبادئها، سعيا وراء إزالة القيم الأساسية المعارضة لأهدافها، ساعدهم على القيام بهذا العمل مستشرقون ومبشرون وكتاب غربيون.

ثم نشأت فئة -وللأسف- من الذين يكتبون بالعربية من أصحاب القراءات المعاصرة، ممن تربوا في تلك المعاهد الغربية ليكونوا رسلا للدعايات الغربية في بلادهم، وليكونوا عونا لهم في تحقيق ما تصبو إليه أفئدة زعمائهم من أحفاد القردة والخنازير، من طمس معالم الهوية الإسلامية عند المسلمين.

وهذه بعض من أقوالهم تبين بكل وضوح خططهم وسوء نواياهم.

يقول الفرد كانتول: «إن الغرب يوجه كل أسلحته الحربية والعلمية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية إلى العالم الإسلامي بغرض إذلاله وتحقيره، وإشعاره بالضآلة والخنوع، وإن الغرب وقف مع الصهيونية ضد العرب والمسلمين لهذا الهدف».

ويقول ماسنيون: «إن هؤلاء الطلاب المسلمين الذين يصلون إلى فرنسا يجب أن يصاغوا صياغة غربية خالصة حتى يكونوا أعوانا لنا في بلادهم»

ويقول المارشال ليوتي: «إننا نعد العدة لإنشاء جيل لا صلة له بالماضي، معزول عن مبادئه وأخلاقه، هذا الجيل نصنعه وننشئه على الإيمان بالغرب، وبذلك يتم لنا عن طريقهم وضع يدنا على البلاد».

فلا يظنن ظان بعد هذا العرض المجمل أن تلك النقولات ما هي إلا مجرد أقوال تقال، ليس لها رصيدها العملي في الواقع الإسلامي، ولمن أراد الدليل فلينظر إلى المخدرات مثلا، التي لم تعد تتصف بصفة تجارية فحسب أو أداة للكسب، وإنما أصبحت إحدى الوسائل السياسية الهامة، والتي يستخدمها المتنفذون في كل مكان لنشر الرذيلة، مع كونها من أكبر الرذائل.

إن السياسات الاستعمارية تسعى إلى إيجاد مراكز الفحش ونوادي القمار ووسائل اللهو الفاسدة الأخرى وفي جملتها نشر الغناء الفاحش الماجن والموسيقى بدعوى أنها لغة العالم، وهي من أهم الوسائل التي يصر عليها المستعمرون لتخدير أفكار الناس.

ولهذا قال ابن مسعود –رضي الله عنه-: “الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع”..

لهذا بات الغناء الفاحش الماجن والموسيقا الهابطة، تشغلان القسم الأكبر من أوقات إذاعات العالم وفضائياته، لأنهم علموا أن الرذائل إن نمت في النفس، فشا ضررها، وتفاقم خطرها، وانسلخ الإنسان من دينه كما ينسلخ المرء من ثيابه، وأصبح ادعاؤه للإيمان زورا، إذ لا قيمة لدين بلا خلق، وذلك تماما ما حذر منه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «ثلاث من كن فيه فهو منافق، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم، من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان».

وانظر ما يقوله الأستاذ الشيخ عبدالله علوان في ندائه للشباب والشابات في كتابه تربية الأولاد في الإسلام: إياكم أن تسمعوا إلى أدعياء التقدمية الذين يزينون لكم المنكر، ويحسنون الفجور بقولهم: إن حل المشكلة هو تهذيب الغريزة بالاختلاط منذ الصغر، أو إشباع الغريزة… فهؤلاء الهارفون بما لا يفهمون، والمتبجحون بما لا يعقلون، ما هم في الحقيقة إلا منفذون من حيث يعلمون أو لا يعلمون لمخططات اليهود والصليبية، ومؤامرات الماسونية والشيوعية، لجر الشباب والشابات في المجتمعات الإسلامية إلى وجودية فاجرة، وإباحية داعرة، أتدرون من أجل ماذا؟

من أجل أن ينصرف شباب الإسلام عن الجبهات المرسومة للكفاح والجهاد.

من أجل أن يطأطئوا رؤوسهم لحكم الطغاة والمستبدين.

من أجل أن يصفقوا لكل ناعق، ويقبلوا حكم كل ملحد.

من أجل أن يكونوا قطعانا تسوقها عصى العبيد.

فحذار يا شباب من هذه الادعاءات الكاذبة، فتحصنوا بالصبر، واربطوا قلوبكم بالله، وتوجوا رؤوسكم بعزة الإسلام، وارفعوا بكليتكم دعوة كل إباحي فاجر، وتبجح كل وجودي ملحد، واسمعوا ما يقوله سبحانه في محكم تنزيله: {وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ } (المائدة:77).

إن حضارة الإسلام تهاجم بضراوة وشراسة على نحو لم تهاجم به أية حضارة أخرى على مر التاريخ، لكن والحمد لله والمنة، فقد من عليها ربها بدين ثابت الدعائم والأسس، تتكسر على صخراته فؤوس المخربين ومؤامرات الكائدين.

سبيل المواجهة

لا بد لكل إنسان مسلم غيور على دينه وعرضه وأخلاقه، متنبه لما يحدق بدينه وأمته من أخطار ومواجهات، أن يسعى لدرء الخطر والفساد من باب المسؤولية التي حملنا إياها الله ورسوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ {92} عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الحجر:92-93)، «ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» (رواه البخاري)

تلك المسؤولية يجب أن تجسد في البيت والمسجد وفي الشارع وفي المجتمع بشكل عام، ليعم الوعي وتبصر العين ويعي العقل، فتبطل المؤامرات وتفشل.

تبدأ من البيت من خلال الأب والأم بحسن التربية وزرع الفضائل السلوكية لدى الأطفال منذ نعومة أظفارهم، حتى يعتادوا عليها إلى أن يصبحوا مكلفين، لتصاحبهم في شبابهم وتعينهم في كبرهم، فالأولاد يستحقون تلك العناية لأنهم كما قال الأحنف بن قيس لمعاوية بن أبي سفيان: «هم ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم أرض ذليلة، وسماء ظليلة، فإن طلبوا فأعطهم، وإن غضبوا فأرضهم، فإنهم يمنحونك ودهم، ويحبونك جهدهم، ولا تكن ثقيلا فيملوا حياتك، ويتمنوا وفاتك».

فلا بد من زرع القيم النبيلة والأهداف الجليلة في نفوس أبنائنا، لأن الشاب يسعى دائما إلى إيجاد نوع من التوافق بين أخلاقه وصفاته، والأشياء التي تكون حسب رأيه ذات قيمة، فطبيعي أن تؤثر الأشياء في تكوين أخلاق الشاب ونمو شخصيته كل حسب قيمتها لديه، فمن اعتبر العلم والدين هما الأكثر قيمة في هذه الحياة فإنه يسعى إلى بناء أخلاقه وأفكاره على أساسها، ويحاول أن يكتسب الصفات التي تتلاءم وتحصيل العلم والإلمام بأمور الدين.

أما الشاب الذي يعتبر الثروة والمال أو التجمل والتزين أو الرياضة قيمة سامية رفيعة في هذه الحياة، فإنك تراه يسعى لأجلها ويحاول أن يكتسب من الصفات ما يتناسب وأهدافه.

فإذا ما أراد الفتيان أن يكتسبوا من الأخلاق والصفات أحسنها، ويحققوا لأنفسهم شخصية متكاملة يحبطون من خلالها مخططات أعدائهم، فينبغي أن يأخذوا بعين الاعتبار ما لأيام العمر التي يمتلكونها من قيمة، وليس من قول أدل على قيمتها من قول الحسن البصري: «يابن آدم إنما أنت أيام معدودة، كلما ذهب يوم ذهب بعضك».

فهذا يجعل المرء في سعي دائم وراء الأفضل حتى في انتقاء الأخلاق الحميدة، فلا يكتفي بالحسن منها وإنما يسعى وراء الأحسن.

ولا بد من مراعاة شيء هام في تلك الأخلاق ألا وهو معرفة حدودها، فمثلا بعض الأخلاق الحسنة إن زادت عن حدها أصبحت ذميمة، فقد يصبح الإنسان صاحب الخلق الحسن صاحب خلق سيئ إن هو تغافل أو تجاهل حدود الأخلاق، فعزة النفس مثلا تتحول إلى تكبر مذموم إذا ما فاقت حدها الطبيعي، وكذلك التواضع يصبح تملقا مذموما إن هو زاد عن حده.

بين تلك المعاني كلها تكمن مسؤولية الشباب بالإضافة إلى التحلي المستمر بالحذر المدعوم بالتوجيه السديد السليم، فإنه نعم الحاجب عن الوقوع في أشراك التيه والحيرة.

وأما مسؤولية المجتمع تجاه الأخلاق والفضائل فتنحصر في ثلاثة أمور: التوجيه والتثبيت والحماية.

فالتوجيه يكون بالنشر والدعاية في مختلف وسائل الإعلام والتثقيف والدعوة والإرشاد، والتثبيت يكون بالتعليم الطويل المدى، والتربية العميقة الجذور على مستوى الأسرة والمدرسة والجامعة، والحماية تكون برقابة الرأي العام اليقظ الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويكره الفساد، وينفر من الانحراف، وبالتشريع الذي يمنع الفساد قبل وقوعه، ويعاقب بعد وقوعه زجرا للمنحرف وتأديبا للمستخف، وتطهيرا لجو الجماعة من التلوث.

في إطار تلك المسؤولية تبطل مكائد الكائدين، وترتد إلى نحورهم بإذن الله وتنتشر أخلاق الإسلام وتسود، وتسري فضائله لتعم المجتمع بأسره.

كلمة أخيرة

إن الدوافع الموجودة في الإنسان أشبه ما تكون بالرياح التي تكون ضرورية لحركة السفن الشراعية، ولكن هل له أن يبقي أشرعته مرفوعة تتلاعب بها الرياح كيفما كان اتجاهها؟ كلا، لأنها في هذه الحالة ستؤدي إلى الحيد بالسفينة عن مسارها، فإذا ما استسلم الإنسان لتلك الدوافع والشهوات جعلته عبدا ذليلا لها، تماما كتلك السفينة التي تتخبطها الريح.

إن إعطاء الحرية المطلقة لأي من هذه الدوافع والصفات سيؤدي إلى تفسخ الخلق والطباع، لذلك كان لازما تغليب المعرفة والحذر على الميل والرغبة، لأنهما أساس ضبط النفس وسلاحه، ولأن ضبط النفس من أهم عوامل تكوين حسن الخلق.

ولا بد في النهاية من التنويه والتأكيد على أمر بغاية الأهمية، وهو أن حسن الخلق لا يعني السلبية والانطواء وعدم الإيجابية في التعاطي مع الظروف والأحوال التي تفرض وجودها علينا، لكنه يعني النهوض بالمسؤوليات وأداءها على الوجه الأكمل المتقن، والتفاعل مع القضايا كافة على أساس من الوعي والفهم.

وكتاب ككتابنا «أخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم- وآدابه» لا شك أنه يمثل ركيزة هامة في تعزيز وبناء الأخلاق السامية التي يسعى الإسلام لغرسها في قلوب وعقول بنيه، سيما وأنه يعزز المبدأ التربوي الفاعل في غرسها بشكل عملي، وهو مبدأ التربية بالقدوة.

فمن وصفه ربه وزكاه بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم:4) يحق له أن يكون قدوة في سائر شؤونه وأحواله {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } (الأحزاب:21).

فعلى الأمة المسلمة حسن الاتباع والاقتداء والحب، لرسولها -صلى الله عليه وسلم- ، لتعود لها مكانتها بين الأمم، ويعود لها مجدها المفقود، ومستقبلها الموعود، إن شاء الله تعالى.

—–

  • المصدر: الوعي الإسلامي.

مواضيع ذات صلة