الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

التدرج في دعوة المسلم الجديد

د. عبد الله بن إبراهيم اللحيدان

الداخِل في الإسلام مولودٌ جديد، وحالُ المولود أحوج ما يكون إلى الرِّعاية والعِناية، وهذا الدِّين متينٌ، ولا يُوغَل فيه إلا برفقٍ، ولا يَصِحُّ أن يُكلف المرء ما لا يطِيق 1323675877أو يُشدد عليه في بدء الأمر، وفي “صحيح البخاري” من حديث طلحة بن عبيد الله -رضِي الله عنْه- قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من أهل نجدٍ ثائرَ الرأس، نسمَع دَوِي صوته، ولا نَفقَه ما يقول، حتى دنا من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فإذا هو يَسأَل عن الإسلام، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((خمسُ صلواتٍ في اليوم والليلة))، فقال: هل علي غيرُها؟ قال: لا، إلا أنْ تطوع))، وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((وصيام رمضان))، فقال: هل علي غيره؟ قال: ((لا، إلا أنْ تطوع))، قال: ذكر له رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الزكاة، فقال: هل علي غيرُها؟ قال: ((لا، إلا أنْ تطوع))، قال: فأَدبَر الرجل وهو يقولُ: والله لا أَزِيدُ على هذا ولا أَنقصُ منه، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((أفلَحَ إنْ صدَق)).

لقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يُجِيب المسلمَ الجديد بما يقتَضِيه الحالُ، وبالأهم فالأهم؛ إذ لا يُمكِن بيانُ الشريعة دفعةً واحدةً، لا سيما لحديثِ عهدٍ بالإسلام، وهذا ما يجبُ أنْ ينهَجَه الداعية مع المسلم الجديد.

ومن الشواهِد على عناية النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – بالتدرُّج مع المسلم الجديد ما جاء عن أبي هريرة – رضِي الله عنْه – أن أعرابيًّا أتَى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: دُلني على عملٍ إذا عملتُه، دخلتُ الجنة؟ قال: ((تعبُد الله ولا تُشرِك به شيئًا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتُؤدِّي الزكاة المفروضة، وتَصُوم رمضان))، قال: والذي نفسي بيده، لا أَزِيد على هذا، فلما ولى قال النبيُّ – صلى الله عليه وسلم -: ((مَن سره أنْ يَنظُر إلى رجلٍ من أهل الجنة، فليَنظُر إلى هذا)).

 قال العلماء: هذا الحديث ونحوُه خُوطِب به أعرابٌ حديثو عهدٍ بالإسلام، فاكتَفَى منهم بفِعل الواجب في ذلك الحال؛ لئلا يثقل ذلك عليهم فيملُّوا، حتى إذا انشَرحَتْ صدورُهم للفَهْمِ عنه، والحرص على تحصيل ثواب المندوبات، سهلَتْ عليهم.

قال النووي – رحمه الله -: “وقد كانت أمور الإسلام في التكليف على التدريج، فمتى يُسِّرَ على الداخل في الطاعة أو المُرِيد للدخول فيها، سَهلتْ عليه، وكانت عاقبته غالبًا التزايُد منها، ومتى عسرت عليه أوشَك ألا يدخل فيها، وإنْ دخَل أوشَكَ ألا يدوم أو لا يستَحلِيها”.

والتدرُّج في التعلُّم هو الذي سارَ عليه الصحابة – رضِي الله عنْهم – ففي “المسند” أن الصحابة – رضِي الله عنْهم – كانوا يقتَرِئون من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عشرَ آياتٍ، فلا يَأخُذون في العشر الأخرى حتى يعلَمُوا ما في هذه من العلم والعمل، قالوا: فعلمنا العلم والعمل.

إن تكليف المسلم الجديد بما لا يطِيق، وعدم مُراعاة التدرُّج في دعوته، قد يكون سببًا في رُجوعِه عن الإسلام، أو ضعف تمسُّكه به، وفيه تنفيرٌ له عن قبول واجِبات الإسلام.

كما لا ينبَغِي أنْ يُشَق على المسلم الجديد في التعليم إذا كان يَشقُّ عليه، ومن المقرر عند العلماء أنه إذا لم يكن بِوُسْعِ المسلم الجديد أنْ يتعلم القرآن لعَجزِه، فله أن يذكر اللهَ في الصلاة بدَلاً من القرآن.

قال الخطابي: “فإنْ كان رجل ليس في وُسعِه أن يتعلم شيئًا من القرآن؛ لعَجْزٍ في طبعِه، أو سُوءٍ في حفظه، أو عجمةٍ في لسانه، أو آفةٍ تعرض له – كان أولى الذِّكر بعد القرآن ما علمه النبي – صلى الله عليه وسلم – من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير”.

إن على القائم بالدعوة بين المسلمين الجُدُد أن يُولِي التدرُّج أهميته، وأنْ يَفقَه هديَ النبي – صلى الله عليه وسلم – فيه؛ كي تُؤتِي دعوته لهم أُكُلَها كل حينٍ بإذن ربها.

____________________________

المصدر: موقع الألوكة.

مواضيع ذات صلة