مصلح سيد بيومي
جاءت الدعوة الإسلامية واضحة جلية لا غموض فيها ولا إبهام، وظهرت أصول الدعوة فرآها الناس شاملة لكل فرع من فروع الحياة،
فأوضحت أصول الدين القويم وقواعد العلم الصحيح وأسس الأخلاق الفاضلة وأركان النظم الاجتماعية الرشيدة، ومبادئ القوانين
السديدة، والتشريع الحكيم.
فتغلب الإسلام بأصوله على جميع الأصول التي كانت قائمة على عهده، فآمن الناس بأن القرآن “مثل كامل” “في كل شيء”، وقواعده التي قام عليها هي أكبر شاهد على ما نقول.
هذه الدعوة إلى الله تعالى تنحصر أهدافها في أمرين أساسين:
الأول: دعوة غير المسلمين للإسلام
معنى هذا الأمر هو أن نعمل على نشر الدعوة الإسلامية بين أهل الكتاب وغيرهم ممن لا دين لهم إلا بعض التقاليد والعادات التي لا تمت إلى الدين بصلة، وهؤلاء هم أغلبية شعوب العالم، وقد سن النبي – صلى الله عليه وسلم – هذه السنة الحسنة وهي دعوة غير المسلمين إلى الدخول في الإسلام عن طريق مكاتبة الملوك والأمراء، وأمرهم أن يبلغوا أممهم، ومن هذه الكتب كما ثبت في الصحيحين كتابه – صلى الله عليه وسلم – إلى هرقل عظيم الروم : “بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله، إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد.. فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، و{يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئـًا ولا يتخذ بعضنا بعضـًا أربابـًا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}”.
وهكذا أرسل النبي – صلى الله عليه وسلم – كتبه إلى كسرى ملك الفرس، والمقوقس عظيم القبط بمصر، وملكي عمان، وملك اليمامة، كذلك عرض الدعوة بالإسلام الملائم على أولئك الذين لم يتعرفوا على الإسلام، كما هو موجود في أوروبا وأمريكا من المسيحيين وغيرهم.
فإن انتشار العلوم والمعارف بين أولئك القوم قد كشف مزايا الإسلام وتطور تشريعه.
والدليل على أن هذا الأمر من الممكن أن يصل إلى مستوى أصلي في نشر الدعوة لو صدقت النيات، ما نراه في هذا العصر -مع ضعف المجهود الذي يبذل في إشاعة الإسلام- من إقبال الكثير على هذه الرسالة الخالدة في الداخل والخارج، فإذا ما اتجهنا إلى مكتب الشؤون الدينية بمديرية أمن القاهرة، ومكتب شيخ الأزهر لوجدنا الأعداد الهائلة التي تعلن إسلامها لله تعالى، ومن حوالي سبع سنين توجهت بأحد القمامصة الذي كان في البلدة، التي كانت أعمل فيها داعية إلى الله تعالى إلى مكتب الأمن، ومكتب شيخ الأزهر لأجل أن يعلن إسلامه، وتم ذلك بعون الله وعنايته.
أما في الخارج فكثيرًا ما تطالعنا الصحف والمجلات والإذاعات وغيرها تحت باب “لماذا أسلمت؟” الكثير ممن تشرفوا برسالة المصطفى عليه الصلاة والسلام.
ومن الأسباب التي أخرت مسيرة الدعوة الإسلامية على غير ما ترجو لها من المضي إلى كل جزء في هذه الأرض، هو أن أوروبا إلى عهد الحروب الصليبية كانت تصور للعالم بأن هؤلاء العرب الذين حملوا راية الإسلام ما هم إلا مجموعة من قطاع الطرق ورعاة الأغنام، لا قيمة لها ولا حضارة ترفع من شأنها.
فائدة دعوة غير المسلمين
على هذا فإن الدعوة إلى الله تعالى لغير المسلمين تؤدي إلى هدفين أساسيين:
أحدهما: محو الواجهة السيئة التي ألصقها أعداء الإسلام من المبشرين والمستشرقين وغيرهم بالمسلمين ورسالتهم.
والآخر: الكشف عن محاسن الإسلام، وكيف أن العالم كله لو أخذ به لوصل بتوفيق الله تعالى إلى بر الأمان.
الثاني: دعوة المسلمين إلى الخير:
وهذا يكون في ضوء قوله تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون} ( التوبة: 122 ).
وفي ضوء قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (العصر: 1 – 3).
ومعنى هذه الدعوة هو إرجاع المسلمين إلى جوهر الإسلام وتشريعه الحكيم، وتعميق ذلك في نفوسهم، ونفي ما علق بالإسلام من خرافات وأوهام، مثل: ما يسمى بضرب الودع، والطيرة، والعيافة، والطرق، وزجر الطير، وقراءة الكف، وفتح الكتاب، والمصحف، وكتابة الأحجبة والتمائم، وما يسمونه تحويطات، والإخبار بالغيب، وادعاء رفع الصلاة عن الإنسان إذا بلغ إلى قدر معين من الإيمان، إلى غير ذلك من هذا السيل الجارف من الخرافات والأوهام التي علقت بهذا الدين الحنيف وهو منها براء.
ولو شئنا تقصيها مع الأدلة التي وردت في النهي عنها، لكنا في حاجة على مجلدات، ولكن على سبيل المثال، نذكر شيئـًا مع أدلة النبي – صلى الله عليه وسلم – التي ترشدنا إلى البعد عن هذا الضلال المبين، منها قوله – صلى الله عليه وسلم – : “العيافة، والطيرة، والطرق من الجبت”.
وقول ابن مسعود -رضي الله عنه- أن “النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن”.
وقوله – صلى الله عليه وسلم – : “من أتى عرافـًا أو كاهنـًا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يومـًا”.
وقوله – صلى الله عليه وسلم – : “إن للشيطان لمة بابن آدم، وإن للملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومن وجد الآخر فليستعذ بالله من الشيطان”.
ولقد وصل أمر الخرافات والأوهام لدرجة أن المنجمين كانوا يتدخلون في شؤون الدولة في يوم من الأيام، ولكن الخلفاء النابهين ما كانوا يستمعون إليهم، بل كانوا يخالفونهم.
ومن ذلك حادثة الخليفة المعتصم بالله حينما قام بفتح عمورية، فأخذوا يحذرونه من سوء العاقبة بأن الحساب الفلكي والطوالع النجومية قد اتفقت على ساعة هذه النتيجة المشؤومة، فلم يعبأ بما قالوه، وخرج من فوره وانتصر على أعدائه انتصارًا عظيمـًا، وفي ذلك يقول أبو تمام من قصيدة سبعين بيتـًا حتى أخذ على كل بيت ألف درهم، والتي مطلعها:
السيف أصدق أنباء من الكتبِ *** في حدِّهِ الحدُّ بين الجـدِّ واللعب
وفيها :
أين الرواية أم أين النجوم وما *** صاغوه من زخرف فيها ومن كذبِ
يقضون بالأمر عنها وهي غافلة *** ما دار في فلك أو كان في قطب
لو أثبتت قط أمرًا قبل موقعة *** لم يخف ما حل بالأوثـان والصلب
من كل هذا وغيره نعلم أن دعوة المسلمين بعضهم بعضـًا لا بد منها لتطهيرهم من الخرافات والأوهام وربطهم بالله الملك الديان.
_____
المصدر: كتاب “ادع إلى سبيل ربك”.