د. رمضان فوزي بديني (خاص بموقع مهارات الدعوة)
القرآن الكريم هو كتاب الله المعجز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أخبر الله تعالى عنه قائلا: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ} (الأنعام: 38)؛ ولذلك فمن المهم
التعرف على تناول القرآن للبيئة وعناصرها وتوازنها والتعرف على منهج القرآن في الحفاظ على البيئة، وحمايتها وتنمية ثرواتها.
ونبدأ بالحديث عن بعض عناصر البيئة في القرآن؛ إذ الإحاطة بكل العناصر يحتاج لمطولات ولا يكفيه هذه الصفحات..
بداية هناك آيات تعد جامعة للبيئة ومكوناتها؛ فمن هذه الآيات التي حصرت عناصر البيئة ومكوناتها بدقة وشمولية قول الله تعالى: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} (طه: 6)؛ فما بين السموات والأرض يستدل على البيئة الطبيعية التي تشمل: الشمس والحرارة والرياح والرطوبة والسحاب والإمطار. أما قوله (تحت الثرى) فيقصد بها المكونات الموجودة في باطن الأرض، سواء أكانت مكونات جيولوجية، أو خامات معدنية، أو ثروات طبيعية يمكن استخراجها واستثمارها اقتصاديا، أو مياهًا جوفية يمكن استخراجها لأغراض الزراعة والاستيطان (الخواص القرآنية وشمولية الحصر، إبراهيم حازم، مجلة عالم البناء، عدد يوليو، القاهرة، 1985).
ومن الآيات التي جمعت مجمل عناصر البيئة أيضا قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ (البقرة: 164).
فبيئة الإنسان هي الأرض التي يفترشها والسماء التي يلتحفها، والزمن الذي يطوي حياته من خلال تعاقب الليل والنهار، ووسائل المواصلات التي خلقها الله تعالى لتنتقل بها في الأرض ممثلة في هذه الآية بالفلك، والماء الذي أنزله الله تعالى من السماء فأحيا به الأرض، التي تحوي الدواب المبثوثة على ظهرها، والسحاب المسخر بين السماء والأرض… وكل هذه العناصر وما يقوم بينها من علاقات تفاعلية لا يدرك حقيقتها إلا من وهبه الله عقلا فاعلا، وليس معطلا.
وفيما يلي عرض لحديث القرآن عن بعض عناصر البيئة:
الماء
يُعد الماء من أهم عناصر النظام البيئي في القرآن الكريم؛ ولذلك فقد ذكر في عشرات المواضع في القرآن الكريم، معظمها في سياق تذكير الله تعالى لعباده بنعمه وآلائه عليهم، والتي يأتي على رأسها نعمة الماء.
ويستمد الماء أهميته من أنه يعد أصل الحياة على هذه الأرض، وقد أخبر الله تعالى عن ذلك في قوله تعالى: ﴿أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ﴾ (الأنبياء: 30)، وقال عز من قائل: {وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ} (النور: 45). وقال عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} (الفرقان: 54}.
ويتحدث القرآن عن وظائف الماء فيقول: {أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ} (السجدة: 27).
وفي سياقات مختلفة يتحدث القرآن عن مصدر الماء فيقول: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ} (الأنعام: 99)، وقال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ﴾ (المؤمنون: 18). وقال عز من قائل: {وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ} (الزخرف: 11).
والماء كما هو نعمة من أعظم النعم فإنه -كحال غيره من عناصر الطبيعة- ربما يتحول لنقمة على من كفر بالله تعالى؛ حيث أخبر القرآن عن أقوام سابقين أغرقهم الله تعالى بالماء مثل قوم نوح؛ حيث أخبر سبحانه: {وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا} (الفرقان: 37)، وكذلك آل فرعون لما كذبوا موسى؛ حيث ذكر الله تعالى: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} (البقرة: 50).
البحار والأنهار
من عناصر البيئة الهامة التي تحفظ الماء وترشد استخدامه بما ينفع الناس.. البحار والمحيطات التي امتن الله تعالى على عباده بتسخيرها لهم؛ حيث ذكر أن من وظائفها:
– الصيد واستخراج الحلي والزينة: وذلك كما في قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ (النحل:14).
– التنقل من خلاله: حيث يعد البحر من أهم وسائل التنقل من خلال الفلك والسفن التي تجري فيه، وقد جعل الله تعالى من مظاهر تكريمه للإنسان حمله في البر والبحر؛ حيث قال تعال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (الإسراء: 70). وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}. وقال عز وجل: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنْهَارَ} (إبراهيم: 32).
– بالإضافة لما سبق يعد البحر مصدر رزق للكثير من الناس؛ حيث قال تعالى: {اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (الجاثية: 12).
السحب والمطر
من عناصر البيئة المرتبطة بالماء تلكم السحب التي تحمل الماء ثم تنزله على الأرض أمطارا، فيشرب منه الناس والأنعام، وقد ورد ذكر الرياح في القرآن كثيرا من باب الامتنان على الخلق، منها قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (الأعراف: 57).
ويعد المطر مصدرا من مصادر المياه؛ حيث قال عز وجل: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} (الحجر: 22). وقال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًى بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الأعراف: 57).
ويقول الحق سبحان في موضع آخر موضحا ميكانيكية نزول المطر {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأبْصَارِ} (النور: 43).
الرعد والبرق
من الظواهر الطبيعية التي تصاحب نزول المطر إلى الأرض الرعد والبرق؛ والبرقعبارة عن وميض من الضوء، الذي يحدث نتيجة عمليات الشحن الكهربي في الغلاف الجوي، أما الرعدفهو عبارة عن الصوت الذي يحدث نتيجةللتمدد الفجائي للهواء بفعل الحرارة الشديدة الفجائية الناجمة من حدوث البرق. وتتخذ عواصف الرعد والبرق أدوارها في سحب المزن الركامية، ويسقط بسببها أمطار غزيرة جدا.
والرعد والبرق كظواهر طبيعية تثير الرهبة والخشية والجلال في قلوب البشر، ورغم هذا فإن الله تعالى ذكرها في سياق التسبيح والذكر من خشيته سبحانه مقرونة بالملائكة؛ حيث قال عز وجل: ﴿وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ﴾ (الرعد: 13).
الجبال
تُعد الجبال من العناصر البيئية الهامة التي ذكرت بلفظها في أكثر من ثلاثين موضعا في القرآن، منها ما هو متعلق بوظيفتها في الحياة الدنيا، ومنها ما هو متعلق بمآلها يوم القيامة، ويعنينا هنا ما يتعلق بها باعتبارها عنصرا من عناصر البيئة؛ فقد ذكر القرآن عدة وظائف للجبال منها:
– تُعد الجبال بمثابة الأوتاد التي تحفظ اتزان الأرض وثباتها كما أخبر سبحانه وتعالى ممتنا على خلقه: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} (النبأ: 6، 7)، وقد أكد القرآن على هذا المعنى في آيات كثيرة عبر في تسعة مواضع منها عن الجبال بلفظ “الرواسي”، منها قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ} (الأنبياء: 31)، ومنها قوله تعالى: { وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاءً فُرَاتًا} (المرسلات: 27).
– من فوائد الجبال اتخاذها مساكن للخلق، كما أخبر القرآن عن أصحاب الحجر ﴿وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ﴾ (الحجر: 82)، وقال في موضع آخر على لسان نبي الله صالح لقومه ﴿وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ﴾ (الشعراء: 149). وقال عز وجل: ﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا﴾ (النحل: 81). والأكنان: جمع (كِنّ) -بكسر الكاف- وهو فعل بمعنى مفعول؛ أي مكنون فيه، وهي الغيران والكهوف (التحرير والتنوير: 14/240).
ولا يقتصر هذا الأمر على بني البشر فقط بل يتعداه لمخلوقات أخرى، كما أخبر -سبحانه-: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا…} (النحل: 68).
– تساهم الجبال في تشكل الغيوم وإنزال المطر بسبب شكلها الانسيابي؛ ولذلك ربط القرآن في كثير من الآيات بين الجبال والأمطار والمياه والأنهار، من ذلك قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا} (الرعد: 3)، وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاءً فُرَاتًا} (المرسلات: 27).
– يعد تعدد أنواع الجبال واختلاف ألونها نوعا من الزينة في الأرض، ودلالة على قدرة الخالق جل وعلا، ويستفاد هذا من اختلاف ألوان الجبال التي ذكرها الله تعالى في قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ﴾ (فاطر: 27).
الأنعام
الأنعام من العناصر البيئية الرئيسية التي سخرها الله تعالى للإنسان، وهي تشترك معه في استفادتها من بقية عناصر البيئة المذكور مثل الماء والهواء والنبات وغيره..
وقد ورد ذكر الأنعام بلفظه في اثنين وثلاثين موضعا من القرآن، منها قول الله تعالى في سياق تعديد نعمه على خلقه: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ﴾ (يس:71-73).
وقد ذكر القرآن أن الأنعام ثمانية أزواج حيث قال تعالى: {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُم مِّنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} (الزمر: 6)، وقد فصل هذه الأزواج الثمانية في موضع آخر في سورة حملت اسم (الأنعام) في قوله: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ} (الأنعام: 143، 144).
وتُعد هذه الأنعام أمما مثل بني البشر كما قال تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ (الأنعام:38).
وقد تطرق القرآن لأنواع متفرقة من الأنعام نكتفي منها بما يلي:
1-الإبل: ذُكرت الإبل مرتين في القرآن؛ أولهما ما مر بنا في قوله تعالى: {وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ…} وثانيهما قول الله تعالى: ﴿أَفَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ (الغاشية: 18)؛ ففي هذه الآية توجيه رباني للتفكر والتدبر في خلق الإبل، وكيف خلقها الله تعالى وهيأها لتتحمل الأحمال الثقيلة في ظروف بيئية قاسية. وقد اكتشف العلم الحديث الكثير من آيات الإعجاز في الإبل وما أودعه الخالق جل وعلا من أسرار وحكم.
2- البقر: ذُكر البقر مفردا وجمعا في تسعة مواضع من القرآن؛ أشهرها ما ذكر عن بقرة بني إسرائيل في قول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} (البقرة: 67-71). وربما يستفاد من هذه الآيات صفات الأبقار المتميزة وكيفية اختيارها.
3- الضأن والمعز: ورد ذكرهما في قول الله تعالى: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (الأنعام: 143). وتسمى الضأن والمعز أغناما. وورد ذكر لفظ الغنم في ثلاثة مواضع أخر؛ في قول الله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} (الأنعام: 146). وقوله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى}، وقوله عز وجل: { وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} (الأنبياء: 78).
4- الخيل والبغال والحمير: وقد ذُكرت ثلاثتها في قول الله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (النحل: 8). وأفردت الخيل في موضعين آخرين؛ أولهما قول الله تعالى في ذكر ما زُين حبه للناس {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ} (آل عمران: 14)، وثانيهما في سياق ذكر وظيفة من أهم وظائف الخيل وهي الجهاد في سبيل الله وإرهاب الأعداء، وذلك في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ} (الأنفال: 60).