سديم بخاري
في مقابلة على CNN مع “ريزا أسلان”، عالم في الأديان، يظهر على الشاشة بالخط العريض موضوع حوار المقابلة: “هل الإسلام يروج للعنف؟” ويدخل المتحاورون في نقاش حاد حول ما تعانيه بعض الدول الإسلامية من أنظمة قمعية ديكتاتورية ينسب أصلها إلى اعتناق الإسلام، ويحاول مقدمو البرنامج بشتى الطرق أن يوجهوا دفة الحوار ضد الإسلام والمسلمين بالتعميم وذكر معلومات مختارة قصدا للانتقاد، فيما وجه ضيف البرنامج “ريزا أسلان” دفاعات منطقية ينفي فيها الاتهامات الموجهة.
“بيل ماهر” و”سام هاريس”، من أشهر الملحدين الأمريكيين الذين يرفضون فكرة الدين بشكل عام، انتقدوا الإسلام بشكل مكثف من خلال ظهورهم الإعلامي وساهموا في ترويج فكرة الإرهاب الإسلامي الذي يجب محاربته والحذر منه، في برنامج “ريل تايم وذ بيل ماهر”، احتدت المناقشة بين ماهر وهاريس و”بين أفليك” النجم الهوليودي حول التطرف الإسلامي، حيث كان ماهر وهاريس معتدِّين برأيهم حول كون الإسلام دينا متطرفا، حتى أن “بيل ماهر” قال: إن الإسلام هو “الدين الوحيد الذي يتصرف مثل المافيا”، هل قد يتجرأ بيل ماهر بانتقاد الأديان الأخرى بهذه الطريقة؟ لا أظن ذلك.
ومثل هذا يتكرر بشكل يومي في الإعلام الغربي، وتتكرر الأسئلة نفسها: هل الإسلام دين عدواني؟ هل يروج الإسلام للعنف؟ كيف يجب أن نتعامل مع الإرهاب الإسلامي؟ فيما يبدو أنه هجوم متواصل على الإسلام والمسلمين حول العالم، المسلمون في الإعلام الغربي مرتبطون بالتطرف والراديكالية، مصطلح “الإرهاب” محفوظ لوصف العدوان المرتكب من قبل المسلمين، بينما ظهرت مصطلحات أخرى لوصف هذا العدوان مثل “الإسلام المتطرف”، “الإرهاب الإسلامي”، “العنف الإسلامي”، لا شك أن الإعلام نجح في تصوير المسلمين كأناس عدوانيين يتبعون دينا بتعاليم ونصوص تدعو للعنف.
من أشهر ما يستخدمه الإعلام ضد الإسلام هو مسألة الردة وحقوق المرأة والتطرف، فلا تجد أي نقاش ضد الإسلام يخلو من مناقشة هذه المواضيع التي يتم فيها التحريف والتأليف، فيتحدثون عن المرأة المضطهدة في البلاد الإسلامية التي لا تحصل على كامل حقوقها، وقد يكون ذلك صحيحا في بعض البلدان إلا أنه يكفي للإعلاميين التركيز على البعض للتعميم على الكل، وهم يتغاضون عن حقيقة أن النساء في كثير من البلدان الإسلامية غير مضطهدات وعن حقيقة أن اضطهاد المرأة يحصل في البلاد غير الإسلامية أيضا، فلا شك أنها مشكلة متعلقة بالثقافة وليس بالدين.
ثم يتحدثون أيضا عن الجماعات المتطرفة الإسلامية وخطر الإسلاميين الذين يريدون قتل كل من يخالفهم، والواقع هو أنه يوجد العديد من الجماعات المتطرفة التي تمثل قلة قليلة من المسلمين إلا أنها ليست أشد خطرا من تلك الدول التي تشن حروبا تفتك فيها بآلاف المدنيين، وبالتأكيد ليست أشد خطرا من الدول التي تمتلك أسلحة متقدمة تشمل أسلحة دمار شامل لا تتردد في استخدامها في حروبها.
وقد يكون هناك ضعف أو نقص في الدفاع عن الإسلام في الإعلام، فلا يوجد الكثير من المدافعين في الساحة الذين ينفون الاتهامات بشكل عقلاني ويساهمون في نشر صورة معتدلة عن الإسلام، إلا أن المشكلة الرئيسية هي أن الإعلام الغربي الذي يهيمن على الوسط الإعلامي يمتلك من القوة والسلطة ما يجعله قادرا على كتم الأصوات المدافعة وصرف الانتباه عنها، بينما يقوم بالتركيز على معلومات وأحداث مختارة ومصورة بطريقة مقصودة لتشويه صورة المسلمين.
ومن الأمثلة على ذلك منح الباكستانية “ملالا يوسف زاي” جائزة نوبل للسلام لدفاعها عن حق الفتيات في التعليم، “ملالا يوسف زاي” تلقت طلقة رصاصية في رأسها من قبل جندي طالباني بينما كانت في قافلة المدرسة، وبالرغم من أن الحادثة وقعت في 2012، إلا أن “ملالا” حظيت باهتمام بالغ خصوصا من الغرب، وعلى إثر ذلك مُنحت جائزة نوبل للسلام، وما تزال قصة “ملالا” تتردد في الإعلام، وما زال الإعلام يشيد بشجاعتها في مقاومة طالبان الذين يمثلون جماعة إسلامية متطرفة، والواقع أن ما فعلته ملالا شجاعة لا يمكن إنكارها إلا أن الاهتمام البالغ بقصتها لا يمكن ربطه إلا بأجندة الإعلام لتشويه صورة المسلمين.
والذي يثبت تناقض الإعلام وازدواجيته ظهور فتاة باكستانية أخرى، “نبيلة رحمان”، التي قُتلت جدتها بواسطة الطيارات الأمريكية بدون الطيار وأُصيب عدد من إخوتها في 2012 أيضا، وفي حين أن نبيلة حاولت إيصال قصتها بالسفر إلى واشنطن مع أبيها والتحدث أمام أعضاء الكونجرس الذين لم يحضر منهم سوى 5 أعضاء من أصل 430 إلا أنها لم تحظ بأي اهتمام إعلامي وقصتها بالكاد ظهرت في بعض المواقع الإخبارية، والتفسير بسيط؛ ما حدث لنبيلة يشير بأصابع الاتهام إلى أمريكا ويوجه الاهتمام للحقائق المروعة التي تحصل في البلاد التي تخوض فيها حربا، بينما ما حدث لملالا يبرر الغزو ويظهر أمريكا كمدافعة عن حقوق المواطنين في تلك البلاد.
بعد أحداث 11 سبتمبر، ومع إلصاق تهمة التفجيرات بمسلمين تابعين للقاعدة، قام جورج بوش بإطلاق حملة إعلامية مكثفة لتجريم المسلمين في حربه ضد الإرهاب التي انتهت بكونها حربا ضد البلاد الإسلامية، ونجحت هذه الحملة، فقبل حرب العراق اعتبر ما يقارب 60% من الأمريكيين صدام حسين خطرًا مباشرًا على الولايات المتحدة الأمريكية، بينما اعتقد ما يقارب 50% من الأمريكيين أن صدام حسين كان مرتبطًا بتفجيرات 11 سبتمبر.
ومن الجدير بالذكر أنه بعد أحداث 11 سبتمبر وبعد الحملة الإعلامية ضد المسلمين قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتفجيرات في 6 بلاد إسلامية وقامت بغزو دولتين.
هذا بالإضافة إلى تنمية الشعور السلبي تجاه المسلمين الذي تمثل في مواقف كثيرة، بعد أحداث 11 سبتمبر ازدادت نسبة جرائم التمييز العنصري ضد المسلمين، سجلت 481 جريمة في عام 2002، في عام 2012، قام رجل بإطلاق النار على مسجد في ولاية إلينوي الأمريكية كان ممتلئًا بالمسلمين خلال شهر رمضان، وبعد هذه الحادثة بيومين قام رجل آخر بمهاجمة مسجد بقنبلة حمضية، هذا بالإضافة إلى جرائم القتل المنفردة التي ارتكبت ضد المسلمين.
حادثة المسجد الذي كان مقررا أن يتم بناؤه في مانهاتن وعُرف باسم مسجد المنطقة صفر Ground Zero Mosque يدل أيضًا على شدة العدوانية المتكونة ضد المسلمين حيث خرج آلاف من الأشخاص في عدة مدن أمريكية رئيسية للتظاهر ضد بناء مسجد يقع على بعد مسافة قليلة من موقع مركز التجارة العالمي، ولكن قد تكون الحادثة الأشد عدوانية هي حادثة “يوم حرق المصحف العالمي” الذي نظمته كنيسة في فلوريدا في ذكرى 11 سبتمبر للوقوف ضد المسلمين.
من غير المستغرب أن هذه الأحداث لقيت اهتماما ضئيلا جدًا من الإعلام الغربي، وليس من الصعب توقع ردة الفعل إذا ما كان مرتكبو العدوان في الحوادث السابقة مسلمين، لوصلت هذه الأحداث إلى العناوين الرئيسية.
الحرب الإعلامية كانت وما زالت ناجحة، نجحت في تصوير المسلمين كإرهابيين يرغبون في قتل كل من يعارضهم، نجحت في خلق خطر الإرهاب الإسلامي وجعله يبدو الخطر الوحيد الذي يهدد الأمن العالمي، ونجحت في تشويه صورة أكثر الأديان سلامًا، نجحت على عدة أصعدة، ربما أكثر مما كان متوقع.
—————-
* المصدر : موقع نون بوست.