نور الدين الهلالي
بعث الله عز وجل رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم إلى كافة الناس ليبلغهم رسالة الله، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} (سبأ: 28)، وأناط بهذا الأمر مَن اصطفاهم مِن خلقه من جُنده الوارثين الملهمين الموفقينِ، حتى يبقى هذا الخير مستمرا إلى يوم القيامة محبة من الله عز وجل لعباده ووصية لهم كيلا تجرفهم ريح الفتنة وتطالهم يد الشيطان. فما هي أهداف الدعوة؟ وما هي صفات الدعاة؟
الدعوة إلى الله.. فقه وإتقان
رغّب الله تعالى عباده كثيرا في القيام بأمر الدعوة وحدد لذلك أهدافا شملتها آياته الموضحة لذلك، مثل قوله: {وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران: 104)، وقوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت” 33). هذه الأهداف العظيمة كالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جمعت كل معاني الخير التي بها تكون الحياة الطيبة دنيا وآخرة، وتزداد سموا بما حدده -عز وجل- لها من أساليب رحيمة تجعلها مقبولة عند كل مريدٍ راغب في خير داريه، قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: 125)، فحددت الآية الكريمة بعض الأساليب الرحيمة الحكيمة التي تساعد الداعية على تبليغ دعوته على الوجه الأكمل والتي منها: الحكمة؛ ويقصد بها وضع الشيء في موضعه، ومنها الحلم والأناة وضبط النفس. ومن الحكمة في الدعوة اختيار المكان والزمان المناسبين لتبليغ الدعوة، واختيار الموضوع المناسب لطبيعة المدعو، واتباع قاعدة التيسير المنضبط بضوابط الشرع والمبني على الدليل لما ورد عنه صلى الله عليه وسلم: “يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا”، والتدرج في الدعوة والتبليغ لما جاء في حديث معاذ بن جبل عندما بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال له: “ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله واني رسول الله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنياهم وترد إلى فقرائهم”.
والموعظة الحسنة وهي اختيار أحسن القول وأجود العبارات لعرضها على المدعوين. ومن الموعظة الحسنة اعتماد أسلوب القصة القرآني والنبوي ومخاطبة الناس بما يحبون، والمجادلة بالتي هي أحسن وهي مقارعة الحجة بالحجة مع المخالف عن طريق اعتماد الأساليب المقنعة والحجج الدامغة مع مراعاة الآداب التالي: عدم الكذب، الهدوء وعدم الغضب، إحسان الظن في المخاطب والتسليم للحق…
هذه الأساليب الرحيمة هي التي حققت لها الانتشار الواسع بين العالمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعده، وما أحوجنا إليها في عصرنا حتى يحالفنا النجاح في دعوتنا.
الدعوة إلى الله.. اقتداء وإنصاف
أهداف عظيمة تستوجب أن يكون الداعي إليها في مستواها إيمانا وأداء، كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأخبر به البلاغ الإلهي: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} (الأحزاب: 45، 46).
فقد كان -صلى الله عليه وسلم- كثير الحركة، دائبها في تبليغ الدعوة لا يدع فرصة إلا واغتنمها لذلك، بل كان يصنع الفرصة حتى تلج هذه الدعوة كل قلب وتغشى كل جمع، حاضرا في كل المناسبات، صابر مثابرا لا توقفه العقوبات، مبشرا بقوله وحركته دالا على ربه بحاله وسمته. وهكذا كان صحابته ومن تبعهم من الدعوة الجاهدين. وهذا لا يتأتى إلا بتربية إيمانية إحسانية، استمدوا فيها المدد والنصر من الله وتجردوا فيها من حولهم وقوتهم. فالهادي الله والملهِم الله والموفق الله. فالداعية لا غنى له عن هذه التربية لصعوبة الطريق وكثرة المعيق، وهذه الأوصاف النبوية (الشهادة والبشارة والنذارة) حتى ينجح في أداء رسالته ويكون أهلا لخلافته صلى الله عليه وسلم في مهمته.
خاتمة
القلوب الظامئة تنتظر غيث ربها، فكن ناقله بحق وموصله بصدق، استجب لنداء ربك العلوي الذي يأمرك، ولكلام نبيك الأمي الذي يحثك. لا تيأس أمام مقاومة الظلم والكفر ولا تركن إلى الحيل والأباطيل، فبإرادة متصلة بالله مسترشدة بهدي نبيه تفعل الأفاعيل. فيا من يطمح إلى المعاني السامقة ونيل الدرجات العالية، أمة محمد صلى الله عليه وسلم تنتظر وجها باسما وكلمة طيبة وخلقا جميلا، فكن المحيي أملها والمحقق رجاءها.
المصدر: موقع إسلاميات