د. محمد العبدة
طريقة التربية القرآنية أن يكون الاهتمام بإصلاح الباطن، إصلاح القلب، فإذا صلح ظهر أثر ذلك على الأعمال، وعندئذ تستقيم الوجهة، ولا يقع التنافر والتباعد بين القلب والعقل ولا يتوزع النفس شركاء متشاكسون.
لا ينصلح الباطن إلا بالتوحيد الخالص لله سبحانه وتعالى، فهو لُباب الإسلام وقاعدته الكبرى، وهو المحرر للإنسان من رق العبودية لغير الله، وهو أول دعوة الأنبياء، وأول ما ينكرونه على أقوامهم من الشرك ومظاهره، وهو الذي زكى أنفس المسلمين وأعلى هممهم وحررهم من الظلم والاستبداد.
الشرك فساد للفطرة، وإغراق في عالم الحس والمادة، وضعف في التفكير، يريدون تلمس الأوثان بأيديهم ورؤيتها بأعينهم، قال تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}، وقال تعالى: {أجعل الآلهة إلها واحداً إنّ هذا لشيٌ عجاب} إنهم لا يتخيلون إلها واحداً يرزق الجميع ويدبر أمورهم.
إن الدعوة إلى التوحيد ومنع الوثنية هي لإنقاذ الإنسان من الدرك الأسفل الذي يهوي إليه، ومن الطريقة العمياء التي يسلكها والتي لا تتناسب مع ما كلف به من حمل الأمانة ومع ما يجب أن يكون، وما أوقع أهل الأديان السابقة في البلاء والشقاء إلا هذه السذاجة المادية، وهذا الضمور العقلي، وقالوا عن عيسى عليه السلام إنه ابن الله، واختلفوا هل هو إنسان أم إله، وهل له طبيعة واحدة أم طبيعتان، ولو عرفوا الله سبحانه وتعالى لعلموا أنّ لا حاجة لأن يشرك معه أحد من خلقه.
وقد أكد القرآن الكريم على بشرية الرسل وأنهم لا يعلمون الغيب، ولا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً إلا بمشيئة الله.
من آثار التوحيد الخالص
1ـ الأمن النفسي:
فالمؤمن لا يخشى أحداً إلا الله، ولا يخضع لأحد من البشر خضوع ذل وعبودية، ولا يقدم القربات إلا لله، والمشرك يبذل الأموال الطائلة في قباب تشد إليها الرحال ثم لا تنفعه ولا تضره والتوحيد هو الذي يزيل الآفات الاجتماعية كالخوف واليأس والحزن، قال الشيخ القاسمي في تفسير قوله تعالى: {يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار} هذه الآية تشير إلى أن تفرق الآلهة يفرق بين البشر في وجهة قلوبهم إلى أعظم سلطان وفي ذلك فساد نظامهم الاجتماعي أما اعتقادهم بإله واحد فهو توحيد لمنازع نفوسهم إلى سلطان واحد… ” (محاسن التأويل 9 / 225 )
التوحيد الخالص يقرب الإنسان من الله فلا يشعر الإنسان بالدونية إذا وجد نفسه مع أُناس أكثر منه مالاً وشهرة، ولا يشعر بالفوقية اذا ما التقى بأناس أقل منه مالاً وشهرة.
2ـ صلاح الفكر:
قال تعالى عن ملكة سبأ: {وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين وصدها ما كانت تعبد من دون الله … }، قال ابن عاشور في تفسير هذه الآية: “فكانت عبادتها للشمس منصرفة عن الكمال العلمي والرشد الفكري واستكمال الحضارة الصحيحة” (النظام الاجتماعي في الإسلام / 9 )
وقال رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {فما أغنت آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب} فجعل لحال اعتقادهم أثراً في زيادة هلاكهم، فالاعتماد على الأوهام الباطلة لا تلائم نظم العمران، فيجيء الهلاك سريعاً ” (النظام الاجتماعي في الإسلام / 10 )
3ـ صلاح العمل
لا يذكر الإيمان في القرآن إلا ويذكر معه الأعمال الصالحة، ولا يذكر الكفر إلا ويذكر معه المعاصي، وقد جاء في الحديث “قل آمنت بالله ثم استقم”؛ فالاستقامة هي صلاح العمل، وجدير بمن صلحت عقائده وأفكاره أن تصدر عنه الأعمال الصالحة.
كتب الصحابي أبو الدرداء إلى أخيه سلمان الفارسي أن هلم إلى الأرض المقدسة (الشام) فكتب إليهم سلمان: إن الأرض لا تقدس أحداً، وإنما يقدس الإنسان عمله.
إن توحيد الله سبحانه وتعالى في ربوبيته وألوهيته هو دعوة المسلمين لغيرهم من الأمم وأصحاب المذاهب والديانات {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله}. وعقيدة التوحيد عقيدة سهلة واضحة لا تعقيد فيها، والأبواب مفتوحة أمام النظر في الآفاق والأنفس، وهذا واضح في السور المكية وأوائل ما نزل من القرآن ففيها أصول الدين والإيمان الذي يغذي شجرة الإسلام.
ولأهمية هذه العقيدة فإن المسلمين لا يرضون من في عقيدته زيغ وانحراف ولو كان صاحب فضائل إنسانية بل لا يلتفتون إلى هذه الفضائل وينفون عنه صفة العدالة.
————
* المصدر: موقع المسلم.