د. عبد الكريم بكار
علينا في البداية أن نفرِّق بين التغيُّر والتَّغيير: التغيُّر هو ما يحدث من تطوُّر من غير إرادة ولا تخطيط من قبل شخص أو جهة، أما التَّغيير فإنه ثمار ما يُبذل من جهد وعمل
في اتجاه معيّن أو حيال قضيّة معيّنة. وإنما أردت التحدّث اليوم عن مسؤوليّة المؤسّسات الخيريّة عن تغيير المجتمع لأنها تملك المال، وتملك الإمكانات البشريّة التي تجعلها قادرة على التأثير في الأوضاع الاجتماعيّة المختلفة .
لعلي في البداية أقول: إن العمل الخيري والتطوعي هو عبارة عن استدراك على قصور النظم وعبارة عن كرَّة ثانية على طريق تحقيق العدالة الاجتماعيّة، وهذا المفهوم يشير إلى أمرين:
الأول هو: أن العمل الخيري مهما عظُم، فإنه لا يشكِّل البديل عن إصلاح النظم التعليميّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة …
الثاني هو: أن على مؤسّسات العمل الخيري أن تعمل على سدّ الثغرات والاهتمام بالأمور التي لا يهتمّ بها أحد، وتلك التي يشكل الاشتغال عليها أولويّة اجتماعيّة كبرى، وهذا يتطلب من المؤسّسات الخيريّة أن تمتلك رؤية جيدة لمفاتيح التغيير الاجتماعي، وذلك حتى تستطيع حجز مقعد في غرفة القيادة عوضًا عن الاشتغال بإنقاذ الغرقى وإطفاء الحرائق، وأعتقد أن عليها القيام بالآتي:
1- إشاعة ثقافة العمل الخيري
إنّ اضطلاع مؤسّسات العمل الخيري بدور كبير في تغيير المجتمع يجعلها تحتاج إلى الكثير من المتطوّعين والكثير من الأموال، وهذا يتطلب منها العمل بجد على نشر ثقافة العمل التطوعي والخيري بين الصغار والكبار، وأعتقد أن هذا يتجاوز ما يتمّ الآن من التسويق لبعض المشروعات الخيريّة إلى الانخراط في محاولة جعل العمل الخيري سمة اجتماعيّة واضحة، ويمكن أن يتمّ ذلك من خلال التعاون الوثيق مع الأسر والمدارس ووسائل الإعلام.
2- دعم التعليم
أثبت ما لا يُحصى من التجارب والخبرات العالميّة أن أكبر مؤثر في نهضة الأمم ما يتلقّاه طلابها في المدارس والجامعات من تعليم وتدريب، وإن من المؤسف أن التعليم الحكومي في معظم الدول الإسلاميّة يتّسم بالضعف والجمود، أما التعليم الأهلي فمعظمه ذو أهداف تجاريّة بحتة، وإنّ في إمكان التعليم الخيري أن يشقّ طريقًا ثالثًا من خلال تقديم تعليم ممتاز، ولا يستهدف الربح، كما هو الشأن في الولايات المتحدة وغيرها من الدول المتقدمة.
3- تدريب الشباب
من المؤسف أن معظم الجامعات لا تؤهّل طلابها لتلبية احتياجات سوق العمل بسبب تخلّف مناهجها وبسبب ضمور الجانب العملي والتطبيقي فيها، وأعتقد أن خيار تدريب الشباب وتمكينهم من إتقان مهنة أو إتقان تقديم خدمة راقية، هو الخيار الصحيح حيث إن إعطاء الفقير ما يقيم أوده يجعله دائمًا في حاجة إلى المعونة على حين أن تعليمه وتدريبه يحوِّله من إنسان يتلقى المعونة إلى إنسان يقدّمها للآخرين. هذا يتطلب أن تتفنن الجمعيّات والمؤسّسات الخيريّة في إقامة مراكز وأكاديميّات للتدريب بكل أشكاله وأنواعه، والشرط الوحيد في هذا هو تقديم تدريب ممتاز يجعل من يتلقاه قادرًا على المنافسة في سوق العمل
4- رعاية النابهين
ليس عندنا مشكلة مع الموهوبين من أبناء الأثرياء، وإنما مشكلتنا مع الموهوبين من أبناء الفقراء الذين لا يجدون من يساعدهم على صقل مواهبهم واستثمارها، وأتمنى في هذا السياق أن تخصص كل مؤسّسة وجمعيّة خيريّة مالا يقل عن (5%) من ميزانيّتها للإنفاق على رعاية الموهوبين من الفقراء؛ لأن في هذا مساهمة جيّدة في بناء القيادات الشابّة التي يمكن أن يكون لها دور ريادي في قيادة المجتمع في قابل الأيام.
——
المصدر: مجلة الإسلام اليوم