إيمان الشرقاوي
تبدأ الحكاية مع المهاجر القديم من أبناء الجيل الأول، حين كان يبحث بانتقاله عن الراحة والسعادة والاستقرار ولقمة العيش، وإذا به يكافح ويكابد ويتحمل المشاق
من أجل الحصول على ذلك، ويضطره هذا المطلب لترك مسقط رأسه ومهد ولادته ومأوى أصدقائه وحديث ذكرياته، فتراه يحمل متاعه المتواضع ويطير أو يسير إلى بلد آخر يطلق عليه فيما بعد بلد المهجر، وإن كان سيصبح ذلك المهاجر مع مرور الوقت جزءاً منه ومواطناً فيه ويكتسب جنسيته ويصبح عضواً عاملاً فعالاً، ومواطناً يضاف إلى بقية المواطنين من أهل هذا البلد الأصليين، ويصير له أولاد ينشؤون ويصبحون من نسيج هذه المجتمعات.
وفي هذا البلد الجديد يداهمه منذ أول لحظة مزيج من المتاعب المتنوعة والتحديات المتعددة فيعيشها وقد أحاطت به من حيث لا يدري، ويشعر معها بغربة جسدية وغربة معنوية يتعايش معها بصبر، ويعيش بها يحملها بين جوانحه ويجدها جزءاً من واقعه، لكنه مع كل ذلك يحاول ترشيدها، ويجاهد للخلاص منها وتخفيف حدتها، يضع لها الحلول منفرداً، وفي جَمع أو مؤسسة دينية أو مركز إسلامي، يبحث عن حل أمثل، فتراه في جهاد دائم لا يقر، مع اختلاف الدين والبيئة وتغير العادات والثقافات.
مشكلات وعقبات
من يراه يظن أنه أسعد إنسان، وأنه أغنى الناس، وأنه بلا هموم! دون أن ينظر الرائي لما حول المهاجر من مشكلات، وما يقابله من عقبات، وما ينغص نومه من الخوف من الغد القادم على أطفاله وهم بعيدون عن حضن الوطن الأم الذي لا يعرفونه وربما لم يروه! وقد افتقدوا دفء بيت العائلة الكبير الذي فطم هو عنه، والتحديات الجديدة لفروعه وذريته، وسبحان الله العظيم الذي ملأ تلك النفوس المهاجرة بالأمل في غد أفضل لهم ولأولادهم.
ويعيش المهاجر وتمر عليه سنون وسنون حتى يصير فرداً من أفراد المجتمع، ويكتسب جنسيته، ويُولد له بنون وبنات وحفدة، ويكون أسرة كبيرة ويصير هذا البلد موطنه وموطنهم الذي لا يعرفون سواه، وبالرغم من كل ذلك فإن التحديات تتوافد تتراً كلما مر عليه يوم جديد.
شعور بالغربة
ومن هذه التحديات ما هو نفسي، ومنها ما هو مادي، وأذكر منها بصفة عامة:
– الشعور القاسي بالغربة جسداً وروحاً، لكن ذلك سرعان ما تخف حدته مع وجود بعض الأصدقاء والتعرف على بعض العائلات والاندماج في الوسط الإسلامي الذي يعطي حباً آخر، وهو الحب في الله، لكن المرء لا يفتأ تطارده ذكرياته وصور أحبابه أينما حلّ، ويؤرق مضجعه الشوق والحنين إلى بلده وجذوره، ويؤثر ذلك سلباً عليه في عمله وتفكيره وقراراته واستقراره.
– صعوبة اندماج البعض في المجتمع والتحدث بلغته والتعرف على عاداته وتقاليده، ومحاولة الاختلاط بأهله دونما ذوبان.
– صعوبة الحفاظ على اللغة الأم، خاصة اللغة العربية، وتعليمها الأولاد وتعليمهم القرآن الكريم وأمور دينهم، التي إن لم يعلمهم إياها فقد يفقدونها إلى الأبد إلا من رحم الله.
– التناقض في التربية بين ما يتعلمه الطفل الصغير في بيته ومع أسرته وبين ما يسمع خارجه ويرى، مما يتطلب جهداً مضاعفاً من الوالدين للدمج بين هذا وذاك بحنكة وروية.
– المخدرات والخمور والجنس والعري وأصدقاء السوء.
– العنصرية والتمييز العرقي في بعض الأماكن والنظر إلى المهاجر – رغم كونه مواطناً كغيره – أنه عبء على المجتمع، وضيف ثقيل يجب أن يرحل، ولو كان من الجيل الثاني المولود فيه ولا يعرف بلداً له سواه!
– عدم شعور بعض المسلمين بالمواطنة المكتسبة ومتطلباتها ومسؤولياتها رغم التجنس بجنسية البلد الذي يقيمون فيه، ويترتب على ذلك الإحساس بالدونية وترك الحقوق وعدم المطالبة بها وتأثير ذلك عليه وعلى أولاده سلباً.
– فقدان الأسرة الكبيرة والتفكك الأسري والخلافات الزوجية مع عدم وجود المحاكم الشرعية الكافية التي تنظر في مشكلات المسلمين من منظور شرعي إسلامي، وإذا وجدت لجان تحكيم خاصة بالمراكز الإسلامية فللأسف لا ينصاع لحكمها الغالبية من المسلمين المتحاكمين إليها.
ضياع الهوية
ـ ضياع الهوية الإسلامية عن البعض ممن ذابوا وانخرطوا في المجتمع بسلبياته وإيجابياته، فلا يميزهم عن غيرهم إلا الاسم واللون!
– التقوقع بعيداً عن المجتمع والانغلاق على النفس من البعض ظناً أن هذا هو الحل الأمثل للابتعاد بأنفسهم وأهليهم عن مساوئ المجتمع، دون النظر إلى الإيجابيات التي فيه.
ـ ندرة أماكن اللهو والترفيه المباح في الوسط الإسلامي لكل الأعمار من الذكور والإناث بصفة عامة.
– فقدان الصحبة المعينة وقلتها وصعوبة التزاور بسبب ضيق الوقت ونظام العمل وكثرة الواجبات.
– عدم التوافق بين المؤسسات الإسلامية في خطة عمل واحدة تجمعهم وذلك لاختلاف المذاهب والتوجهات واللغات والجنسيات.
– قلة الدعم المادي للمشاريع الإسلامية والتي يقوم معظمها على الجهود الذاتية، وإحجام البعض في الداخل والخارج عن التبرع لصالحها بحجة الخوف من الإرهاب.
– الهزيمة النفسية والإحساس بالدونية، لما يشاع ويروج عن وَسْمِ المسلمين بالإرهاب.
– قلة الأصوات الإعلامية التي تتكلم بلسان المسلمين في الغرب، من صحف وقنوات فضائية وإذاعية وتلفزيونية.
تحديات المرأة
المرأة المسلمة في هذه التحديات شأنها شأن الرجل، بَيْد أنه يضاف إليها مزيد من تحديات أخرى، ومن ذلك:
ـ الحجاب والشعور بالغربة معه، لا سيما في المناطق التي يقل فيها المسلمون.
– تحديات الانتقال للإسلام، من قبل الأسرة أو المجتمع، أو المسلمين أنفسهم للمسلمات الجديدات.
فتحت عنوان: «آلاف من النساء البريطانيات اللاتي يعشن في المملكة المتحدة قررن الانتقال إلى الإسلام»، كتبت سارة هارس في «التايمز» في 29 مايو 2010م أنه رغم الهجوم على لباس المرأة المسلمة، وفي حين يحضر أقل من 2% من الشعب قداس الأحد في كنائس الكنيسة الإنجليكانية كل أسبوع، فإن عدد النساء اللواتي يدخلن إلى الإسلام يتزايد، وفي مسجد لندن المركزي برجينت بارك، تمثل النساء حوالي ثلثي المسلمين الجدد الذين يعلنون إسلامهم في المسجد، معظمهن أقل من عمر 30 عاماً.
ووفقاً لدراسة حديثة أجرتها مؤسسة شؤون الإيمان Faith Matters ونشرتها كل الصحف البريطانية عام 2011م، فإن عدد المتحولين إلى الإسلام من البريطانيين سنوياً تعدى 5000 شخص (في فرنسا وألمانيا يصل العدد سنوياً إلى 4000)، ليبلغ إجمالي عدد المتحولين إلى الإسلام في أوروبا إلى 100 ألف أو يزيدون، وأكدت الدراسة أن أكثر من 70% أو ما يقرب من ثلثي المتحولين كانوا من النساء ومتوسط العمر عند التحول كان 27 عاماً فقط.
وحول وجهات نظر المتحولين للإسلام عن الجوانب السلبية للثقافة البريطانية، أجرت جامعة «سوانزي» في ويلز استطلاعاً، وكانت أبرز سلبيات المجتمع البريطاني هي الخمر، وانعدام الأخلاق، والإباحية الجنسية، والنزعة الاستهلاكية الجامحة، واعترف أكثر من ربع العينة أن هناك صراعاً طبيعياً بين كونهم مسلمين متدينين وبين معيشتهم في بريطانيا، وقال 9 من بين كل 10 نساء: إن تغيير ديانتهن للإسلام أدى لارتدائهن ملابس أكثر محافظة، وأكثر من النصف قال: إنهن ارتدين غطاء للرأس، و5% منهن ارتدين الخمار. (انظر: «المجتمع» 17- 1 – 2013م).
تأخر سن الزواج
ومن أسباب ذلك:
– رفض الأسرة أو الفتاة الزواج ممن يتقدم لها وإن كان يناسبها، وذلك بحجة التعليم وعدم التفكير في الزواج قبل إتمامه، فما أن تحصل على أعلى المؤهلات العلمية حتى تطل مشكلة أخرى، وهي طلب مَن يكافئها من الشباب في علمها ومؤهلاتها وقد تجده وقد لا تجده!
– زواج الرجل من البلد الأم مع وجود الفتاة المناسبة في الغرب، وما يتبع ذلك من تعرض كثير من فتياتنا للحرمان من الزواج، حيث يفضل بعض الشباب أن يتزوج من فتاة لم تنشأ في الغرب، وذلك لأسباب منها إرضاء الوالدين، القرابة، أو قلة المؤونة، أو ظناً منه بسهولة انقيادها وطاعتها له، أو من أجل الأولاد واللغة العربية، أو بسبب الحب.
ـ منع تعدد الزوجات بنص القانون البريطاني، حيث لا يسمح بزوجة ثانية، وإن كان يسمح بخليلة أو عشيقة ثانية وثالثة وعاشرة! وبهذا القانون تتضرر بالدرجة الأولى المرأة إذا ما فكرت بالزواج من متزوج وصارت زوجة ثانية وكذا يتضرر أولادها من بعد إذا تزوجت.
– عزوف بعض البنات عن الزواج وإساءة استخدام حرية الفتاة التي يكفلها لها القانون، في التعامل مع الوالدين فيما يخص حياتها الشخصية، فقد يأتيها الزوج المناسب وتتعسف في استخدام حقها وحريتها في الاختيار فترفض كل خاطب حتى يفوتها القطار، وفي ظني أن فتياتنا في حاجة للتوعية والتوجيه في هذا الأمر، وقد يكون فقدان الأسرة المترابطة وفقدان الحب فيها بتسلط الأب أو الأم أو تفككها بالطلاق يؤدي إلى تقديم صورة سيئة عن الزواج فتعزف الفتاة عن الرغبة فيه.
– محاولة الوالدين إغراء الفتاة لتتزوج من شخص بعينه، وغالباً ما يكون من العائلة في البلد الأم، والضغط عليها نفسياً، مما يضطرها أحياناً إلى الهروب من المنزل بعيداً عن تلك الضغوط، والقانون يؤيدها في ذلك، وهذا وإن لم يكن هو السائد في محيط الأسَر إلا أنه للأسف وُجِد ويوجد.
– أما إذا فُقِد حضن الأسرة الدافئ بسبب سفر الأب للعمل داخل أو خارج البلد، أو انشغال الوالدين وخاصة الأم عن القرب من الفتاة يجعل البنت فريسة سهلة لمن يقدم لها الحب البديل فتقع من أول كلمة له ضحية، أو تتزوج منه دون علم أهلها، وهذا تحدٍّ من نوع آخر.
————
* المصدر: مجلة المجتمع.