د. محمد الغمقي
تباينت آراء النخبة السياسية والفكرية في فرنسا وأوروبا حول الأحداث الدامية الأخيرة في فرنسا والتي أودت بحياة 130 شخصا، فهناك من دعا إلى توحيد الصف الداخلي والتعايش، في المقابل هناك من دعا إلى الإقصاء والتقسيم من منطلق أيديولوجي يقوم على أحكام مسبقة ونظرة يغلب عليها التعميم في اتهام واستهداف شريحة مهمة من المجتمع متمثلة في الوجود الإسلامي في أوروبا والغرب.
في حين تندرج مواقف أخرى في خانة الازدواجية بين الظهور بمظهر الانفتاح والاحترام للمسلمين والدعوة إلى تشديد الرقابة على مشاعرهم الدينية بزعم محاربة أشكال التطرف الديني والإرهاب.
مطالبات بإغلاق الحدود أمام المهاجرين
زعيمة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبان طالبت في تصريحات أخيرة بعد الأحداث التي شهدتها باريس أن تستعيد باريس السيطرة على حدودها بشكل نهائي من الاتحاد الأوروبي، وأن تقضي على التطرف الإسلامي.
وقالت لوبان في تصريحات لوسائل إعلامية: “يجب على فرنسا تجريم المنظمات الإسلامية وإغلاق المساجد المتطرفة وإبعاد الأجانب الذين يروّجون للكراهية والمهاجرين غير الشرعيين، وتجريد الإسلاميين مزدوجي الجنسية من جنسيتهم الفرنسية وترحيلهم”.
يوافقها الرأي الوزير المكلف بالشؤون الأوروبية في بولندا كونراد تشيمانسكي الذي صرح أن بلاده لا يمكنها قبول لاجئين على وفق نظام لتوزيع اللاجئين حسب نسبة أو حصة معينة (كوتا) بين بلدان الاتحاد الأوروبي.
وحذر رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو من إمكانية تسلل مسلحين من تنظيم الدولة الإسلامية وسط موجات المهاجرين التي تصل أوروبا.
ويتهم قادة سياسيون أوروبيون مثل فيكو وفيكتور أوربان رئيس الوزراء الهنغاري القومي ومجموعة من قادة حكومات دول وسط أوروبا، أصابع الاتهام إلى المستشارة الألمانية انغيلا ميركل بتشجيع تدفق المهاجرين عبر فتح أبواب ألمانيا أمام المهاجرين السوريين.
الزعيم اليمني خيرت فيلدرز دعا الحكومة الهولندية إلى إغلاق الحدود فورا، متهما السلطات بتجاهل الصلة بين الإرهاب والهجرة.
وأعلن رئيس الوزراء الهولندي مارك روته، من حزب الشعب الليبرالي المصنف في يمين الوسط، تشديد التفتيش على الحدود الهولندية.
وفي إيطاليا، أشار زعيم رابطة الوطنيين الشماليين، ماتيو سيلفاني، إلى “التطرف الديني للمهاجرين وأطفالهم”، واصفا إياه بـ “الخطر الامني”، داعيا إلى إغلاق الحدود الأوروبية.
خلط بين الإسلام والإرهاب
في ظل التنافس السياسي على أصوات الناخبين، تميل تصريحات بعض السياسيين من الأحزاب التقليدية من اليمين واليسار إلى نوع من التشدد.
آلان جوبيه وزير سابق وقيادي في حزب الجمهوريين، دعا إلى أن تكون خطب الجمعة كلها بالفرنسية، في حين صرح رئيس الحزب ساركوزي بأن المشكلة تعود إلى القبول بتعدد الثقافات، ودعا رئيس الحكومة الفرنسية إيمانيال فالس إلى محاربة “الإرهاب الإسلامي”.
في حين سجلت عدة حالات اعتداء على المسلمين وخاصة المحجبات، كما ان حملات التفتيش والمداهمات طالت أساسا العرب والمسلمين.
منظمات حقوقية انتقدت التجاوزات الحاصلة خلال عمليات التفتيش مثل ما حصل في أحد المساجد في منطقة أوبارفيليه بضواحي باريس، حيث تم رمي المصاحف على الأرض.
وبدأت ترتفع أصوات من النخبة السياسية والفكرية والمؤسسات الدينية ومنظمات المجتمع المدني داعية إلى الحكمة والتعقل وتجنب عملية الخلط بين الإسلام والإرهاب، والتشديد على التعايش بين مختلف مكونات المجتمع.
غازي حمادي -نائب في البرلمان عن الحزب الاشتراكي الحاكم- ذكر أنه استقبل العديد من الآباء من المسلمين الذين يعاني أبناؤهم حالة انفصام في الشخصية، وتم التغرير بهم فاتجه بعضهم إلى ساحات الحرب في العراق وسوريا والبعض ينوي الذهاب.
وشدد حمادي على أن جل الأولياء أكدوا له أن أبناءهم ليسوا من روّاد المساجد بل إنهم خالطوا أوساطا منحرفة تتعاطى المخدرات والجريمة.
ويتفق في ذلك مع رافايال لواجيه من الباحثين الفرنسيين المختصين في الشأن الإسلامي الذي يؤكد عدم وجود علاقة بين القائمين بالأعمال الإرهابية الأخيرة في باريس وبين السلفية والأصولية الإسلامية، مشيرا إلى أن أغلبهم يحملون حقدا دفينا على المجتمع بأكمله مؤسسات ومواطنين دون تمييز نتيجة جروح عميقة أصابتهم خلال مرحلة الشباب في قطيعة مع المجتمع.
منهجية تقود الى الهاوية
دعا جان فرانسوا بايار أستاذ في معهد الدراسات العليا بجنيف (سويسرا)، إلى عملية نقد ذاتي للسياسة الخارجية والداخلية الفرنسية، قائلا في مقاله بصحيفة ليبراسيون: “على الصعيد الداخلي أيضا، فإن الحصيلة مذهلة، فبينما أنتجت سياساتنا الاقتصادية ذات التوجه الليبرالي الجديد البطالة الجماعية والتراجع الصناعي”.
ويضيف بايار “فمنذ عقود لم يفصح سياسي واحد عن حقيقة الهجرة، وبدلا من الاستفادة من هذا المعطى الايجابي الشديد الأهمية المتمثل في الثنائية الثقافية لدى عدد من الشباب الفرنسيين، همّشنا نسبة كبيرة منهم محددة – أي المسلمين -، وشككنا في انتمائهم للأمة الفرنسية، وانتهى الأمر ببعضهم إلى الشك في انتمائه، وتلفظ رؤساء ووزراء وكبار مسؤولون بكلمات غير لائقة وغير دستورية دون أية محاسبة أو عقاب، في حين فتحت وسائل الإعلام على نطاق واسع شاشاتها وصفحاتها لكتاب عنصريين وجهلة نصبوا أنفسهم مفكرين”.
وأضاف في مقال له “بينما أكدت العديد من التحاليل ومنذ فترة طويلة أننا نتجه صوب الجدار”، لافتا الى ان “هناك حاجة إلى محاسبة ضمائرنا جميعا، لأن هذه الأخطاء التي ترتد على وجوهنا، ارتكبت بمبادرة من جميع الحكومات التي توالت على السلطة منذ السبعينات، لدينا القادة الذين ننتخب، ووسائل الإعلام التي نشتري، باختصار، نحن مسؤولون عما يحدث لنا”، ويختم قائلا “إن البديل واضح، وهو سياسي بالمعنى الكامل للكلمة، إما أن نستمر في السماح لمدعي الفكر وخبرائهم الأمنيين يقودوننا إلى الهاوية وإما أن نجمع بين الدفاع عن النفس وتحقيق حريات جديدة”.
فهل سينجح صوت الحكمة والتعقل في كبح جماح دعاة الإقصاء والتهميش؟
جهود كبرى تنتظر كل الأطراف المسؤولة بما في ذلك الفيدراليات المسلمة لتفعيل مبدأ التعايش والمواطنة والمصير المشترك في سفينة المجتمع الواحد بمختلف مكوناته.
_____
المصدر: موقع المجتمع.