فريق عمل موقع "معرفة الله" (بتصرف يسير)
الدعوة إلى الله هي مهمة الرسل والأنبياء الذين هم خيرة الناس من عباده وسفرائه إلى الأرض، وهي مهمة خلفاء الرسل وورثتهم من العلماء العالمين والربانيين الصادقين، وهي أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله تعالى؛ لأن ثمرتها هداية الناس، وتحبيبهم في الخير، وتنفيرهم من الشر والباطل، وإخراجهم من الظلمات إلى النور: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دعا إلى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت: 33).
والدعوة بحاجةٍ إلى داعية رحَّالة يحمل دعوته ورسالته فوق ظهره؛ يتحرَّك بها في أرجاء الكرة الأرضية، شعاره {وجاء رجل مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى} (القصص: من الآية 20)؛ فهو ساعٍ إلى الخير دائمًا في حركةٍ دائبةٍ وترحالٍ لا يتوقف، وهو فارس لا يترجَّل، يجوب الأقطار والأمصار شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه.
والدعوة إلى الله بحاجةٍ إلى رجلٍ له من ميراث يحيى- عليه السلام- نصيب؛ فقد أمره الله بقوله: {يَا يَحْيَى خذ الكتاب بِقُوَّةٍ} (مريم: من الآية 12)، فأخذه بهمةٍ وعزيمة، وقام يبلِّغ قومه وينذرهم، وجعل من نفسه وقفًا لدعوته، حتى قُطعت رقبته فداءً لدين الله، وهكذا يجب أن يكون الداعية في أخذه دعوةَ الله بقوة، وقيامه بها ووقْف حياته لها.
والدعوة إلى الله بحاجةٍ إلى داعيةٍ له في هدهد سليمان العبرة والمثل، في تحرُّكه وانطلاقه وذاتيته وإيجابيته التي كانت سببًا في إسلام أهل اليمن.. فأين الرجل الهدهد في دعاة اليوم الذي يكون سببًا في إسلام أمة أو دولة أو قرية كما فعل الهدهد؟! بل أين الداعية الذي يكون سببًا في إسلام قبيلة أو عشيرة، أو حتى رجل واحد على الأقل؟!. قال- صلى الله عليه وسلم-: “لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من حُمُرِ النعم”.
والداعية الناجح لا ينسى أن الدعوة بالقدوة، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والدعوة بالأمل من وسائله الدعوية الأساسية للوصول إلى الجماهير.
وعلى الداعية أن يكون له معالم أساسية تتماشى مع ما توصَّل إليه العالم من تطوّر وتقدُّم؛ فالداعية الناجح لا يترك وسيلةً لعرض دعوته وكسب الأنصار لها إلا استعملها، وهو يستفيد من كل ما أتيح له من وسائل حديثة ومن مستجدات العصر في الدعوة إلى الله؛ فهو يدعو عبر القنوات الفضائية، وعن طريق شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)، وكل ما يُستجدُّ من وسائل وتقنيات حديثة، ولا يحصر نفسه في دائرةٍ ضيقة من الوسائل، مع الحفاظ على ثوابت الدعوة وأصولها.
والداعية الناجح يأخذ بالتنوع في وسائله الدعوية وبما يتناسب مع الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، وشعاره: “أُمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم”.
فلقد أدَّى انتشار (الإنترنت) والفضائيات سريعًا في جميع أنحاء العالم إلى تعظيم دورها في نقل المعلومة، وعرض وجهات النظر المختلفة، ومع تنامي هذا الدور صار لهذه الوسائل الجديدة أهمية إعلامية تُعد في المرتبة الأولى عالميًّا، حتى أصبحت أداةً رئيسيةً من أدوات الحياة في عصرنا.
ومنذ دخول المسلمين إلى هذا المجال وجدت الدعوة آفاقًا جديدةً لتنطلق من خلالها في الفضاء الإعلامي، وهذا ما قام به عددٌ من الدعاة بنجاحٍ ملحوظ، خصوصًا في الفترة الأخيرة.
والداعية الناجح يهتمُّ بالأهداف العامة للدعوة؛ وهي تحقيق “الإيمان العميق، والتكوين الدقيق، والعمل المتواصل”، ثم يأخذ بالوسائل الأخرى الرئيسة منها والفرعية، ومن ذلك:
1- وسائل الدعوة المسجدية:
والتي تشمل الخطب والدروس، والمحاضرات والندوات، والمواعظ والرقائق، والخواطر والمؤتمرات، وكل ما يندرج تحت المسجد من وسائل وأنشطة دعوية.
2- وسائل الدعوة الخدمية:
وهي من أقوى الوسائل تأثيرًا في الناس؛ ولذلك فإن شعار الداعية الناجح: “نحن لكم لا لغيركم أيها الأحباب”، والداعية الناجح لا ينسى أن الدعوة الخدمية من أوجب الواجبات وأفضل العبادات؛ لأنها عبادة متعدية بالنفع للغير، وهي الأثر الباقي للداعية بعد موته.
3- وسائل الدعوة المرئية والمسموعة والمقروءة:
وتندرج تحتها وسائل الإعلام الحديثة كلها؛ من صحافةٍ وإذاعةٍ وتلفاز وقنوات فضائية وأجهزة حاسوب وشبكة معلومات، ولعل أثر الشيخ الدكتور “يوسف القرضاوي” وغيره من العلماء على الجماهير المسلمة من خلال القنوات الفضائية يؤكد ذلك.
4- وسائل الدعوة بالجوارح:
وهي وسائل الداعية المتميز؛ فالنظرة الحانية دعوة، واللمسة الرقيقة دعوة، والبسمة المشرقة دعوة، والكلمة الطيبة دعوة، والاستماع الجيد للآخرين دعوة، ودعاء القلب بظهر الغيب دعوة، وما أقوى أثر الجوارح حين يسخرها الداعية ويستخدمها كوسائل لدعوته!!.
والدعاة إلى الله مطالبون بأن يقدِّموا دعوتهم للناس كافةً على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وأوطانهم، وقد كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعرض دعوته على الناس كافة، ويراسل الملوك ولم يترك أحدًا إلا وبلَّغه رسالة الله، وهاجر إلى الطائف ثم إلى المدينة ليبلِّغ رسالة الله، والداعية حتى يحقق ذلك لا بد له من أمور، منها:
1- الانطلاقة المزدوجة:
فالداعية لا يحقق الانتشار لدعوته إلا من خلال اتصاله المتعدد والمزدوج؛ فهو يبلِّغ دعوته للعامة من الناس والملأ في آنٍ واحد، ويتوجَّه بدعوته إلى الغني والفقير، والحاكم والمحكوم، والمؤيد والمعارض، كما أنه يسير بدعوته على محورَين اثنين: الدعوة الجماهيرية العامة، والدعوة الفردية الخاصة؛ فهي انطلاقة مزدوجة تحقِّق له- كما قال الأستاذ محمد أحمد الراشد-: “انسيابية المجتمع، والبحث عن الرواحل، واصطفاء الأخيار”، كما أنه يتوجَّه بدعوته للصغير والكبير، وللرجال والنساء جميعًا؛ لا يترك أحدًا من خلق الله إلا وبلَّغه دعوته، وكما قال الإمام البنا- رحمه الله-: “وددتُ لو أنني أبلِّغ الدعوةَ للجنين في بطن أمه”.
2- مسافات منتصف الطريق:
فالداعية إلى الله لا يغلق بابًا ولا يسد طريقًا، فإن عجز عن إتمام دعوته فلا أقل من أن يقيم جسورًا ممتدةً مع المخالفين، ويقطع معهم مسافات منتصف الطريق؛ وذلك بأن تكون هناك نقاط التقاء يتفق عليها الداعية مع مَن يدعوهم فيما يشبه “دائرة الثوابت والمتفق عليه”، وشعاره في ذلك “نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه”، وذلك يجنِّب الداعية نفسه معارك جانبية كثيرة وصراعات، ويقطع مسافات كبيرة في طريق الاتفاق مع المخالفين.
3- مراعاة أصناف الناس:
فالداعية يجد الناس أمامه أصنافًا عدة؛ منهم المؤمن بدعوته ورسالته، ومنهم المتحامل عليها، ومنهم المتردد في الإقبال عليها لما يقال عنها من شبهات، ومنهم النفعي الذي ينتظر مغنمًا، ولكل صنف من هؤلاء جهد ودعوة خاصة، ولكن يبقى حرص الداعية على أن يبلغ دعوته إلى هؤلاء جميعًا.
ولا بد للداعية أن يكون على دراية ومعرفة أساسية بعوامل نجاح رسالته الإعلامية؛ حتى يحقق هدفه السامي، وهو وصول دعوته إلى الناس كافة.
عوامل النجاح
يمكن تلخيص أهم عوامل نجاح رسالة الداعية الإعلامية في إطار بُعدها التأثيري على المستقبل فيما يلي:
1- التناغم أو التشابه والمشاركة في الخبرات والصور لدى كلٍّ من المرسل (الداعية) والمستقبِل (الجمهور) بما يكفل فهْم الرموز ومعرفتها والاستجابة لها.
2- استثارة انتباه المستقبِل، واستعمال رموز مفهومة.
3- ربط الرسالة الإعلامية بحاجات المستقبل مع اقتراح حلول مشبعة لها، بشرط ألا تتنافى مع العادات والتقاليد والقيم والمعايير الاجتماعية.
4- مراعاة الحالة النفسية للمستقبِل، ومراعاة الدقة في اختيار الوقت المناسب والمكان الملائم والوسيلة المجدية حسب نوع وقدرة المستقبِل.
5- الاهتمام باستعمال الألفاظ وتقديم الصور التي يستطيع المستقبِل فهْمها والاستجابة لها حسب إطاره المرجعي وخلفيته الاجتماعية والاقتصادية.
6- التخلص من عوامل التشويش التي تقف في سبيل التفاهم بين المرسل والمستقبِل (ومن أمثلة ذلك صعوبة فهْم رسالة الداعية الإعلامية أو سرعة تقديمها أو انعدام وسيلة نقلها.. إلخ).
وممارسة الدعوة إلى الله- تعالى- من خلال التقنيات الحديثة والإنترنت خاصةً لا تحتاج لشهادات أو دورات معقدة؛ فلقد تعلَّم الكثيرون من الدعاة أصحاب الشهادات الشرعية الكثيرَ من وسائل وأساليب استغلال هذه الشبكة في الدعوة إلى الله في أيامٍ قليلة، واهتدى على أيديهم خلق كثير لا يعلمهم إلا الله؛ فخصوصية التعامل مع الشبكة في أناسٍ متخصصين قد اضمحلت؛ لما تتمتع به هذه الشبكة من المرونة في التعامل معها لدى جميع شرائح المثقفين.
فالإنترنت مثلاً في أحيان كثيرة ليس وسيلةَ احتكاكٍ مباشر بالناس، وهذا الأمر يعطي قدرًا كبيرًا من المرونة للدعاة؛ فالناس سيستفيدون من موقعك الدعوي والمعلومات المتوفرة فيه، وهذا أمر يختلف عن الشيخ الذي يجلس في المسجد ويعلِّم الناس؛ فإنه في حال سفره أو مرضه تنقطع الاستفادة من علمه، ثم أيضًا لو سألك إنسان بطريقة مباشرة عن حكم من أحكام الإسلام ولا تعرفه فتجيبه بعدم المعرفة، أما عبر الإنترنت والاحتكاك غير المباشر فإنه ينفع في إعطائك وقتًا كافيًا للبحث أو سؤال العلماء ثم الرجوع إلى السائل بالإجابة، وهكذا.
حقائق مهمة
هناك بعض الحقائق المهمة التي ينبغي أن نتَّفق عليها:
1- إنَّ المتأمِّل للواقع الحاليِّ يجد صراعًا حضاريًّا وثقافيًّا وإعلاميًّا يدور على الساحة لم يسبق له مثيل، وهذا الصراع لا يقلُّ خطورةً عن الصراع الاقتصاديِّ والعسكريِّ والسياسيِّ إن لم يزد عليه.
2- إنَّ الدعوة الإسلامية تحتاج بشكلٍ ملِحٍّ إلى داعية متميِّزٍ ومتعدد الوسائل والأساليب، وبرغم أهميَّة الوسائل التقليدية كالمسجد والدعوة الفردية في التأثير إلا أنَّ وسائل الاتصال الحديثة كالإنترنت والأقمار الصناعيَّة والفضائيَّات أصبحت ضرورةً مهمَّةً من أجل خدمة أهداف وغايات الدعوة الإسلاميَّة، وبالتالي فإنه لا غنى عن الوسيلتين معًا: (التقليدية- الحديثة).
3- إنَّ رسالة الإسلام عامَّةٌ إلى كلِّ الخلائق، وهذا يفرض على الداعية الشمول التامَّ في فهْم رسالة الإسلام أوَّلا، ثمَّ فهْم الوسيلة المستخدمة والمناسبة، ثمَّ فهْم مَن تُوجَّه إليهم هذه الرسالة.
4- إنَّ الإسلام دين متحرِّكٌ سيَّالٌ لا يعرف الجمود في مكانٍ ولا زمان، لكنَّ المشكلة في الأساس تكمن في المسلمين لا في الإسلام.
5- إنَّ الإسلام أعظم رسالة، ولا بدَّ أن تسُتخدَم من أجله أعظم الوسائل وأشدُّها تأثيرًا.
خطوات ومقترحات لا بد منها
أولاً: عقد دورات للدعاة حول استخدام التقنيات الحديثة، يكون من خلالها:
1- مسائل تأسيسية لا بد أن يتنبه لها الداعية وأن يمتلئ بها قلبه، مثل الإخلاص والصبر والاحتساب.
2- فهْم الواقع الذي يعيش به الداعية وطبيعة الناس الذين يدعوهم؛ حتى يكون خطابه ملائمًا لهم.
3- أن يتوفر لدى الداعية ثقافة جيدة واطلاع على ما يحدث في هذا العالم.
4- تدريب الداعية على المهارات والوسائل الدعوية خاصةً الحديثة منها، وكذلك استخدام مختلف التقنيات لتحقيق هدفه.
ثانيًا: التجديد في وسائل وأساليب الدورات من خلال آليات مقترحة، مثل:
1- إعداد مجموعات عمل في الدورة الواحدة، فيتم مثلاً توزيع بطاقات تحوي موقفًا تخيُّليًّا على كل مجموعة، ويتم مناقشة الأسلوب الأمثل للدعوة في مثل هذا الموقف، وحبذا لو كانت هناك إمكانية لتمثيل هذا الموقف بشكلٍ مبسط.
2- تدريب الدعاة على أن تكون لديهم خطة عمل دعوية واضحة في حياتهم، وألا يكتفوا برد الأفعال على المواقف التي تحدث أمامهم؛ لذلك فإن النقطة السابقة لا تكفي وحدها، ولكن لا بد من وجود جانبٍ آخر وهو “الواجب الخاص” الذي يقوم المتدرِّب بتنفيذه، وهو عبارةٌ عن اختيار فردٍ أو مجموعة أفراد يريد أن يدعوهم، ويضع خطَّةً واضحة المعالم لذلك، ويبدأ في تنفيذها بعد أن يعرضها على المجموعة، وفي نهاية الفترة يكتب أو يعرض تقريرًا عن سير خطته، ومن البديهي القول إنَّ المحاسبة هنا لا تكون على نتيجة الدعوة؛ فما هي إلا بذور خير نلقيها، والله وحده كفيلٌ بإنباتها، ولكن يتم التقييم لأسلوب الداعية ومنهجية عمله وما واجهه من إيجابيات وسلبيات.
3- إعداد حلقات يتم من خلالها مناقشة قضايا مجتمعية وعالمية ودور الدعاة في معالجتها والتطرق إليها، وبخاصةٍ تلك القضايا التي لم يطرُق بابها إلا القليل؛ خوفًا أو حرجًا أو تناسيًا.
4- تنظيم ندوات يحضرها مجموعة من الدعاة العاملين أو المتخصصين في أحد العلوم، ويتحدثون عن ما يهمُّ المتدربين ويعرضون تجاربهم الدعوية.
5- تنظيم دورات تقنية مرافقة لهذه الدورة تهتم بتطوير مهارات الدعاة في استعمال التقنيات الحديثة في الدعوة، مثل الكمبيوتر، الإنترنت، الجرافيك، التصميم، وغيرها.
6- استثمار مواهب ومهن المتدربين في الدعوة إلى الله ومساعدتهم في ذلك، فتكون هناك جلسات بعنوان: كيف أدعو إلى الله من موقعي؟ أو كيف أوظف مهاراتي؟. ويمكن الاستفادة من المدونات على شبكة المعلومات الدولية.
7- يمكن اعتماد آلية “الرسائل المختصرة”- بالإضافة إلى قراءة الكتب- وهي رسائل تحتوي تلخيصًا لأهم النقاط التي يراد لفت نظر المتدرِّب إليها في الكتب المرشَّحة للقراءة، وفي مراحل متقدِّمة من الدورة يمكن أن يقوم المتدربون أنفسهم بإعداد هذه الرسائل وتبادلها.