د. رمضان فوزي بديني (خاص بموقع مهارات الدعوة)
إذا كنا قد عرضنا في حلقات سابقة من هذه السلسلة لأهمية الدين بصورة عامة –والشريعة الإسلامية بصورة خاصة- للفرد لإشباع حاجته الفطرية والإيمانية،
وعرضنا أيضا لأهميتها في الإصلاح المجتمعي، والارتقاء بالأخلاق والسلوك، وعرضنا لضروريتها في مجال الإصلاح السياسي.. فيجدر بنا أن عرض للحاجة الاقتصادية للدين والشريعة الإسلامية، باعتبارها ضمانة هامة وضرورية لتحقيق العدالة الاقتصادية وحسن تصريف الموارد..
فقد عانى العالم في السنوات الأخيرة من أزمة اقتصادية طاحنة ضربت بأطنابها مفاصل حيوية وهامة في حياة الناس، وكان لها تأثيرها السلبي على طبقات كثيرة من المجتمع.
وقد اختلفت التفسيرات والتأويلات حول أسباب هذه الأزمة، لعل أبرزها وأقربها للواقع ذلكم التفسير الذي أرجع سببها إلى خطايا النظام العالمي الاقتصادي القائم على نظم بشرية رأسمالية نفعية، يعد الربا أحد أهم أركانها، ولذلك كانت النتيجة هي ما انتهى إليه كثير من الاقتصاديين –مسلمين وغير مسلمين- بضرورة تطبيق بعض القواعد الاقتصادية التي هي في حقيقتها نابعة من الشريعة الإسلامية.
جاءت هذه الأزمة لتعبر بصورة قوية وواقعية عن الحاجة الاقتصادية لتطبيق الشريعة الإسلامية بحرصها على تحقيق التوازن والاعتدال بين مصلحة الفرد والجماعة، وما تمتاز به من الجمع بين الثبات والمرونة، والمثالية والواقعية، وغيرها من الخصائص التي جعلتها الوحيدة القادرة على تحقيق مجتمع الرفاهية، الذي يعد الهدف الأساسي لعلم الاقتصاد.
لقد جاء الإسلام فأحل البيع وحرم الربا، وحارب الغش والتدليس والغرر والنفعية وكل وسائل الكسب غير المشروع، وربط سعي المسلم في تحقيق رفاهيته بالعقيدة والإيمان وتقوى الله تعالى، فقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (الأعراف: 96). فالإيمان والتقوى هما سبب الازدهار والبركات والرفاه.
ويؤكد الرسول -صلى الله عليه وسلم- على العلاقة بين ارتكاب الذنوب والمعاصي والحرمان من الرزق حيث يقول: “لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه” (رواه ابن ماجه).
إن الشريعة الإسلامية بشموليتها لكل مناحي الحياة تحوي إستراتيجيات ودساتير اقتصادية قادرة على تحقيق مستوى مرتفع من الرفاه الاجتماعي إذا وجدت قلوبا مؤمنة ونيات مخلصة وعزائم صادقة وعقولا مبدعة كما فعل الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز الذي حقق في فترة محدودة جدا -في عمر الحضارات والدول- ما عجز عنه غيره في حقب وآماد ممدودة.
البرنامج الاقتصادي الإسلامي بين التنظير والتطبيق
ويجدر بنا في هذا المقام أن نشير إلى حل عملي لأحد المختصين المحدثين بدراسة الاقتصاد الإسلامي (هو الأستاذ الدكتور حسين حسين شحاتة الخبير الاستشاري في المعاملات المالية الشرعية، والأستاذ بجامعة الأزهر)؛ إذ حاول وضع نموذج لبرنامج اقتصادي إسلامي متكامل قابل للتحقيق على أرض الواقع، وجعل من أهم محاوره الأساسية ما يلي:
1- محور الدستور الاقتصادي الإسلامي: الذي يضبط المعاملات الاقتصادية ويكون المرجعية في التنفيذ والمتابعة والإشراف والرقابة الحكومية على الأداء الاقتصادي.
2- محور الإنسان: وهو أساس التنمية الاقتصادية، ويجب تربيته إيمانيا وأخلاقيا، وإعداده اقتصاديا ليقوم بدوره في عمارة الأرض وعبادة الله من خلال منهج التربية الروحية الاقتصادية الإسلامية.
3- محور المال المكتسب من الحلال الطيب: ويجب المحافظة عليه وتنميته ودفعه ليؤدي دوره في الاستثمار والتنمية الاقتصادية.
4- محور الموارد الطبيعية: التي تتفاعل مع العامل الصالح المخلص والمال الحلال الطيب لإنتاج الطيبات اللازمة للحاجات الأصلية للإنسان ويحكمها الرشد والإتقان.
5- محور الأسواق الحرة النظيفة الخالية من كافة المعاملات الحرام الخبيثة، ومنها على سبيل المثال: الغش والغرر والجهالة والتدليس والميسر والربا والاحتكار والاستغلال والجشع وسوء الاستخدام والإسراف والتبذير، وكل صور أكل أموال الناس بالباطل.
6- محور الحث على الادخار والاستثمار الشرعي بهدف تمويل التوسيع والنمو بما يحقق التنمية الاقتصادية الفعالة.
7- محور تحقيق التوازن بين الملكية الخاصة والعامة في إطار أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية بهدف التحفيز على تنشيط المعاملات الاقتصادية، وبما لا يتعارض مع فطرة الإنسان في التملك.
8- محور تطبيق نظم التكافل الاجتماعي والاقتصادي وأساليبه وأدواته المختلفة مثل: الزكاة والصدقات والهبات والتبرعات والوصايا والوقف الخيري والميراث… لتحقيق الرعاية الاجتماعية والأمن الاجتماعي لتقوية رابطة الأخوة بين الناس.
9- محور الوحدة الوطنية والتعامل مع غير المسلمين وفقاً للقاعدة: “لهم ما لنا وعليهم ما علينا” في إطار العدل والرعاية والأخوة.
10- محور مسئولية الدولة عن تطبيق الدستور والبرنامج الاقتصادي الإسلامي بأجهزتها التنفيذية المدنية المختلفة، وتتم الرقابة عليها من خلال الأجهزة الشعبية (البرنامج الاقتصادي الإسلامي بين التنظير والتطبيق، سلسلة الفكر الاقتصادي الإسلامي، د.حسين شحاتة: 14، 15، من منشورات المؤلف، توزيع مكتبة التقوى، ط الأولى، 1426هـ = 2005م ).