نجاح عبد القادر سرور
الخادم نعمة من نعم الله، أنعم بها على الكثير منا.. إنهم إخواننا وأخواتنا، جعلهم الله عز وجل تحت أيدينا، واختبرنا بوجودهم في بيوتنا.. {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} (الأنعام 165)، فحق علينا أن نحافظ على حقوق الخادم ومنها:
– الرفق به وعدم تعنيفه وتوبيخه: ولنا الأسوة والقدوة الحسنة في رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الذي عامل خدمه بمنتهى الرفق واللطف، يقول أنس بن مالك -رضي الله عنه-: خدمت النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين، فما أمرني بأمر فتوانيت عنه أو ضيعته فلامني، فإن لامني أحد من أهل بيته إلا قال: «دعوه؛ فلو قدر، أو قال: لو قضي أن يكون كان» (مسند أحمد).
– النصح له واحترام رأيه: إن الخادم بشر مثلنا، يعاني مثلما نعاني وربما أشد؛ فلا نتكبر أن ننصح له ونقدم له المشورة، وفي النهاية نحترم اختياره ورأيه. هذا موقف لبريرة التي كانت أمة عند السيدة عائشة رضي الله عنها، تعتقها السيدة عائشة، فتصير حرة، فيتم تخييرها بين الاستمرار مع زوجها مغيث أو الانفصال عنه، فتختار الانفصال عنه، رغم حبه الشديد لها. فيقول لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: “لو راجعتهط. قالت: يا رسول الله، تأمرني؟ قال: “إنما أنا أشفع”. قالت: لا حاجة لي فيه (البخاري ).
فانظر كيف نصح النبي -صلى الله عليه وسلم- بريرة ثم احترم رأيها.
– عدم ضربه وإهانته: إن هناك كثيرين يهينون من يخدمهم إهانة بالغة، بالسب والضرب وسائر أنواع الإهانة، وهذا موقف حدث أمام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال أبو مسعود البدري: كنت أضرب غلاما لي بالسوط، فسمعت صوتا من خلفي فإذا هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «اعلم أبا مسعود اعلم أبا مسعود». قال: فألقيت السوط من يدي، فقال: «اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام». قال: فقلت: لا أضرب مملوكا بعده أبدا (مسلم). وفي رواية أنه أعتقه.
– السمر معه والانبساط إليه في الحديث: إن التواضع للخدم بالسمر معهم والتحدث إليهم كأصدقاء مقربين من شيم أهل المروءة والأخلاق الطيبة، وهكذا علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فعن أبي مويهبة مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا أبا مويهبة، إني قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي»، فانطلقت معه -فذكر أنه استغفر ودعا لهم- ثم أقبل علي فقال: «يا أبا مويهبة، إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجن ة، وخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي عزوجل والجن ة». قال: قلت: بأبي وأمي فخذ مفاتيح الدنيا والخلد فيها ثم الجن ة. قال: «لا والله يا أبا مويهبة، لقد اخترت لقاء ربي عزوجل والجن ة» (أحمد).
– الأكل معه من الأخلاق الفاضلة التي تكاد تندثر: عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا كفى أحدكم خادمه طعامه حره ودخانه فليأخذ بيده فليقعده معه فإن أبى فليأخذ لقمة فليطعمها إياه» (الترمذي).
– مساعدته في العمل إذا تعب وهذا قمة التواضع، وتجسيد لمبدأ إنساني نبيل. قال أبوسعيد الخدري: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقم البيت، ويحلب الشاة، ويخصف النعل، ويرقع الثوب، ويأكل مع خادمه، ويطحن عنه إذا تعب (البخاري ). وعن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: «إن إخوانكم خولكم – خدامكم – جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم» (1).
– احترام إنسانيته: إن الخـــادم إنســـان؛ فانـــظــر إلــى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيف احترم إنسانية الخدم. عن أنس بن مالك قال: إن كانت الخادم من أهل المدينة وهي أمة تأخذ بيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما ينزع يده منها حتى تذهب به حيث شاءت (مسند أحمد). وماتت أمة سوداء كانت تقمّ المسجد ولم يعلم النبي -صلى الله عليه وسلم- بموتها، فذكرها ذات يوم فقال: «ما فعل ذلك الإنسان؟» قالوا: ماتت يا رسول الله. قال: «أفلا آذنتموني؟ دلوني على قبرها»، فأتى قبرها فصلى عليها -صلى الله عليه وسلم-(2).
– إعطاؤه حقه كاملا: إن الخادم عامل وأجير، ومن العدل المبادرة بإعطائه أجره وعدم مماطلته، ومن السنة أن نعطي الأجير حقه قبل أن يجف عرقه. يقول الله تعالى: {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} (النور 33).
– عدم احتقاره والحط من شأنه: إن من حسن الخلق أن نحرص على نفسية خادمنا، فلا نهينه بكلمة نحتقره بها، أو نحط بها من شأنه، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يقولن أحدكم عبدي فكلكم عبيد الله، ولكن ليقل فتاي، ولا يقل العبد ربي ولكن ليقل سيدي» (مسلم).
– العفو عنه: كل إنسان عرضة للخطأ والزلل، وربما أخطأ الخادم وتكررت أخطاؤه، والمطلوب منا أن نصبر عليه، وأن ننصحه، وأن نبادر بالعفو عنه. عن عبدالله بن عمر قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، كم نعفو عن الخادم؟.. فقال -صلى الله عليه وسلم-: «اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة»(أبوداود والترمذي).
– العطف عليه: إن الخدم من أولى الناس بالعطف والرعاية والبذل لهم، وخاصة في أوقات الشدة وفي المناسبات الاجتماعية، هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعرض على خادمه ربيعة الأسلمي الزواج أكثر من مرة، يقول له: «يا ربيعة، ألا تزوّج؟»، وربيعة يرفض متعللا بقلة ذات يده، وظل النبي -صلى الله عليه وسلم- يلح عليه حتى قبل. يقول ربيعة: فقال لي -صلى الله عليه وسلم-: «يا ربيعة، ألا تزوّج؟». فقلت: بلى، مرني بما شئت. قال: «انطلق إلى آل فلان» (حي من الأنصار)، «فقل لهم: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرسلني إليكم يأمركم أن تزوجوني فلانة» -لامرأة منهم- فذهبت، فقاـــلوا: مرحـــبا برسول الله وبرسول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.. فزوجوني وألطفوني. وذكر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جمع له من قومه صداق عروسه، وصنع له وليمة، وأعطاه قطعة أرض تعينه على المعاش (3).
– تعليمه مكارم الأخلاق: ما دام الخادم واحدا ممن يضمهم بيتنا؛ وجب علينا حسن تربيته وتعليمه مكارم الأخلاق، ولقد نبهنا الله عزوجل إلى تعليم الخدم والأطفال مثل آداب الاستئذان فقال عزوجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلاَةِ الْعِشَاءِ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (النور: 58).
– الثقة فيه والحرص على إشراكه في الثواب: إن العبد المؤمن حريص دائما على أن ينال الثواب من الله عز وجل، هو وأهل بيته وخدمه؛ فيشركهم في كل عمل صالح. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله تعالى ليدخل بلقمة الخبز وقبضة التمر ومثله مما ينفع المسكين ثلاثة الجنة: الآمر به، والزوجة المصلحة، والخادم الذي يناول المسكين». وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الحمد لله الذي لم ينس خدمنا» (الطبراني والحاكم).
– خفض الجناح له وإكرامه بالوعظ الحسن وبالدعاء: إن الكثيرين منا لا يرد على خاطرهم الدعاء للخادم، وقليلون فحسب هم الذين يسألون خدمهم باستمرار: هل تريدون شيئا؟ رغم أن هذه هي سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-. عن ربيعة بن كعب الأسلمـــي قـــال: كـــنت أبـــيت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي -صلى الله عليه وسلم-: «سل». فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة. قال: «أوَ غير ذلك؟». قلت: هو ذاك. قال: «فأعني على نفسك بكثرة السجود»(مسلم). وصدق الله عزوجل حين قال: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب 21).
هذا والله أعلى وأعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.
—–
الهوامش:
(1) إحياء علوم الدين للغزالي 3/306.
(2) فتح البارى لابن حجر 2/197.
(3) انظر الحديث بطوله عند أحمد في مسنده 33/349.
——–
المصدر: موقع مداد.