مضمون الشبهة
يدعي بعض المغرضين أن الشريعة الإسلامية تأمر بالإرهاب والقتل، ويستدلون على ذلك بما فعله النبي – صلى الله عليه وسلم – حين أرسل أحد أصحابه لقتل كعب بن الأشرف، ويتساءلون: كيف يمكن التعايش مع أناس عقيدتهم تحثهم وتشجعهم على قتل الأنفس وسفك الدماء؟!! ويرمون من وراء ذلك إلى إقصاء الناس عن هذا الدين بوصفه دين الرعب والتخويف والإرهاب، وتشكيك المسلمين فيما تيقنونه من سماحة الإسلام ورحمته.
وجوه إبطال الشبهة
1) الإرهاب معناه التخويف والإفزاع، وقيل: إن هذا المصطلح عام ينسحب في مفهومه على الذين يسلكون سبلا غير أخلاقية ولا مشروعة لتحقيق بعض الأهداف، كأن تكون سياسية أو اقتصادية أو شخصية..الخ.أما العنف، فهو أن تستخدم فئة القوة المادية في غير موضعها وبدون ضابط من خلق أو شرع أو قانون، والإسلام بريء من الإرهاب والعنف كليهما.
2) الإسلام دين الرحمة الكاملة بالإنسانية كلها، سواء فيها المسلمون وغيرهم، فقد حذر الإسلام أشد التحذير من ترويع الناس وإخافتهم وإشاعة الذعر في نفوس العباد.
3) لم يكن قتل “كعب بن الأشرف” من قبيل الإرهاب، إذ على الرغم من عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – معه، إلا أنه أخذ في هجاء النبي والتشبيب بنساء المسلمين، وتحريض أهل مكة على المسلمين، فكان مستحقا للقتل من أكثر من وجه.
4) لقد كان حريا بمن نسبوا الإرهاب إلى الإسلام أو الإسلام إلى الإرهاب – وهو منه براء – أن ينسبوه إلى الإرهابيين حقا، الذين يسفكون دماء الأبرياء بغير حق، فلماذا يتهم الإسلام بالإرهاب رغم سماحته وخلوه من الأفكار الإرهابية التي تنتشر بين تعاليم الملل والنحل الأخرى؟!
التفصيل:
أولا. الفرق بين العنف والإرهاب وبراءة الإسلام منهما:
الإرهاب معناه في اللغة: التخويف والإفزاع والرهبة، أي الخوف والفزع، وأرهبه واسترهبه أي أخافه وأفزعه، ويصف القرآن الحكيم ما فعله السحرة بفرعون وجنوده بقوله عز وجل: {واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم} ( (الأعراف: 116)، أي: استدعوا رهبتهم حتى يرهبهم الناس. ولفظ “الإرهابيون” في مفهوم العصر الراهن يطلق على الذين يسلكون سبيل العنف والإرهاب لتحقيق أهدافهم السياسية.
ذلك هو المراد على وجه العموم بحقيقة الإرهاب والإرهابيين. وقيل: هذا المصطلح عام ينسحب في مفهومه على الذين يسلكون سبلا غير أخلاقية ولا مشروعة لتحقيق بعض الأهداف، كأن تكون سياسية أو اقتصادية أو شخصية أو غير ذلك من وجوه المصالح والأهواء غير المشروعة. وبصورة أدق حتى نتبين المفهوم الدقيق للإرهاب، نوضح الفرق بينه وبين العنف، فإن تحديد المفاهيم ضرورة علمية حتى لا تبقى هذه الكلمات الخطيرة مائعة هلامية، يفسرها كل فريق بما يحلو له، ويتبع هواه.
والعنف – فيما نرى – أن تستخدم فئة القوة المادية في غير موضعها، وتستخدمها بغير ضابط من خلق أو شرع أو قانون، ومعنى (في غير موضعها) أن تستخدم حيث يمكن أن تستخدم الحجة أو الإقناع بالكلمة والدعوة والحوار بالتي هي أحسن، وهي حين تستخدم القوة لا تبالي من تقتل من الناس، ولا تسأل نفسها:
أيجوز قتلهم أم لا؟ وهي تعطي نفسها سلطة المفتي والقاضي والشرطي.
أما الإرهاب، فهو أن تستخدم العنف فيمن ليس بينك وبينه قضية، وإنما هو وسيلة لإرهاب الآخرين وإيذائهم بوجه من الوجوه وإجبارهم على أن يخضعوا لمطالبك، وإن كانت عادلة في رأيك.
ويدخل في ذلك: خطف الطائرات، فليس بين الخاطف وركاب الطائرة – عادة – قضية، ولا خلاف بينه وبينهم، إنما يتخذهم وسيلة للضغط على جهة معينة، مثل حكومة الطائرة المخطوفة لتحقيق مطالب له، كإطلاق مساجين أو دفع فدية أو نحو ذلك، وإلا قتلوا من قتلوا من ركاب الطائرة، أو فجروها بمن فيها.
كما يدخل في ذلك: احتجاز رهائن لديه، لا يعرفهم ولا يعرفونه ولكن يتخذهم وسيلة ضغط لتحقيق مطالبه، أو يقتل منهم من يقتل.
هذا هو مفهوم العنف والإرهاب، وكلاهما ندينه ولا نرضى به، فإذا كنا ندين العنف بصفة عامة، فنحن ندين الإرهاب بصفة خاصة؛ لما فيه من اعتداء على أناس ليس لهم أدنى ذنب يؤاخذون به: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} (فاطر: 18)، ولما فيه من ترويع البرآء الآمنين، فمن هدف إلى قتل أناس أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل في الحرب السياسية، فعمله مجرم ومحظور شرعا. إننا ندين الإرهاب بكل صوره، مهما كانت دوافعه ومنطلقاته خيرة في نظر أصحابه.
فمن المعلوم أن الإسلام يرفض الفلسفة التي تقول: “الغاية تبرر الوسيلة”، فالإسلام يلتزم ويلزم بشرف الغاية وطهر الوسيلة معا، ولا يجيز بحال من الأحوال الوصول لغاياته الشريفة بطرق غير نظيفة، لا يجيز للمسلم أن يأخذ الرشوة مثلا، أو يختلس المال ليبني به مسجدا أو يقيم به مشروعا خيريا «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا»([1]).
ثانيا. الإسلام دين الرحمة بالإنسانية كلها، سواء فيها المسلمون وغيرهم:
عرفنا أن الإرهاب هو أن تستخدم العنف فيمن ليس بينك وبينه قضية، وإنما هو وسيلة لإرهاب الآخرين وإيذائهم بوجه من الوجوه، فهل عرف الإسلام هذا النوع من العنف؟
نريد أن نبين للعقلاء والمنصفين ولكل ذي طبع سليم ولكل ذي ضمير يقظ، أن الإسلام أبعد العقائد والملل والفلسفات والشرائع عن الإرهاب، بل إن الإسلام دين الرحمة الكاملة بالإنسانية كلها سواء فيها المسلمون وغير المسلمين.
إن الإسلام بعقيدته السمحة والسهلة والميسرة قد جيء به أصلا لإشاعة الرحمة والأمن والسلام في هذه الدنيا، ولانتزاع أسباب الظلم والقهر والإرهاب بكل صوره وألوانه.
ذلك هو الإسلام، النظام الأخلاقي الأمثل، قد جيء به لترسيخ قواعد الحق والخير والعدل في هذه الأرض، ومن أجل أن تقوم حياة الناس على الأمان والثقة والحرية بعيدا عن الفساد والتخريب والإذلال، بعيدا عن التسليط والترويع والترهيب.
وأصدق دليل على ذلك قول القرآن الكريم يخاطب الله فيه نبيه الكريم – رسول الرحمة والهداية للعالمين: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (الأنبياء: 107).
وها هو ذا – صلى الله عليه وسلم – يقول عن نفسه: «إنما أنا رحمة مهداة».([2]) ولما أوذي النبي الكريم؛ إذ آذاه المشركون والمتكبرون والسفهاء وألحقوا به ألوانا من التعذيب والكيد طلب منه المستضعفون أن يدعو على المعاندين الظالمين فأبى وقال:” إني لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة”([3]).
والقرآن الكريم نفسه جمع فريد من السور المتعاقبة ذات الإيقاع العجيب الباهر والتأثير المدهش الفاخر وبعجائبه البلاغية المذهلة وبيانه المتفرد الفذ، جاء ليرسخ في الدنيا الأمن والرخاء والخير والرحمة، وليبدد من هذه الأرض كل أسباب الترهيب والظلم، قال عز وجل: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} (الإسراء: 82).
والإسلام يحذر أشد التحذير من ترويع الناس وإخافتهم وإشاعة الذعر في نفوس العباد، وذلك بمختلف الأسباب والوسائل في الترويع أو الترهيب، سواء بالإشارة بالسلاح، أو التهديد بالكلام الظالم، أو بغير ذلك من أساليب تثير في نفس الآخرين الرهبة والوجل.
وفي مثل هذا جاء الحديث النبوي الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمؤمن أن يروع مسلما»، وقد جاء هذا الحديث في رجل تسبب في فزع مسلم، إذ أخذ منه نعله وهو نائم على سبيل المداعبة، فانتبه فزعا فقال صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمسلم أن يروع مسلما»([4]).
وعن أبي هريرة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا يشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار»([5]).
وحتى في الحروب الإسلامية التي تلتحم فيها الجيوش بعضها مع بعض،لا يقتل إلا من يقاتل، و«لما رأى النبي – صلى الله عليه وسلم – امرأة مقتولة في إحدى الغزوات أنكر ذلك وقال: “ما كانت هذه لتقاتل».([6]) ونهى عن قتل النساء والصبيان.
إلى غير ذلك من النصوص في النهي عن ترويع الإنسان لأخيه الإنسان سواء كان ذلك بالإشارة باليد أم بالسلاح أم بغير ذلك من أشكال التخويف التي تثير القلق أو الرعب في نفوس السامعين أو الناظرين، وسواء أكان ذلك مزاحا أم جدا.
ولئن كان هذا النهي أو التحذير بهذه الشدة المغلظة في حق التخويف للأفراد، أي: في حق الذين يروعون الناس أفرادا، فلا جرم أن يكون النهي والتحذير أشد في حق من يعتدي على المجتمع بترويعه وتخويفه وإثارة الرعب والفتنة والفوضى في صفوفه.
ولا ينبغي أن يفهم واحد أن هذه النصوص إنما ذكر فيها المسلم وحده فهي إذن خاصة به دون غيره من أهل الكتاب، فمثل هذا الفهم زلل ووهم، وإنما ذكر المسلم بالاسم بالنظر للأكثرين في المجتمع الإسلامي، والأكثرون هم المسلمون، فنسبتهم الغالبة والكبيرة.
وإذا ذكر الأغلب أو الأكثر فإنما يراد به المجتمع كله؛ مسلمون ويهود ونصارى، وذلك من غير تعصب ولا محاباة لأحد ضد آخر، ومن غير تفريق في ذلك بين أبناء المجتمع الواحد، بغض النظر عن ديانتهم وما يعتقدون، إذا فإن ذكر المسلم في النصوص إنما هو لحصول الكثرة في الأعداد، وللغالب الأكثر حكم الكل، ومما يدل على ذلك قوله عز وجل: )من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا( (المائدة:32)، من أجل ذلك أي: من أجل وجود هذه النماذج البشرية… من أجل الاعتداء على المسالمين الوادعين الخيرين الطيبين، الذين لا يريدون شرا ولا عدوانا… ومن أجل أن الموعظة والتحذير لا يجديان في بعض الجبلات المطبوعة على الشر، من أجل ذلك كله جعلنا جريمة قتل النفس الواحدة كبيرة، تعدل جريمة قتل الناس جميعا، وجعلنا العمل على دفع القتل واستحياء نفس واحدة عملا عظيما يعدل إنقاذ الناس جميعا.
إن قتل نفس واحدة في غير قصاص وفي غير دفع فساد في الأرض يعدل قتل الناس جميعا؛ لأن حق الحياة واحد ثابت لكل نفس. ومما يدل على ذلك أيضا قوله عز وجل: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون} (التوبة: 6).
يقول الشيخ سيد قطب في “الظلال”: “إن هذا الدين إعلام لمن لا يعلمون، وإجارة لمن يستجيرون حتى من أعدائه الذين شهروا عليه السيف وحاربوه وعاندوه، ولكنه إنما يجاهد بالسيف ليحطم القوى المادية التي تحول بين الأفراد وسماع كلام الله، وتحول بينهم وبين العلم بما أنزل الله، فتحول بينهم وبين الهدى، كما تحول بينهم وبين التحرير من عبادة العبيد، وتلجئهم إلى عبادة غير الله… ومتى حطم هذه القوى، وأزال هذه العقبات، فالأفراد – على عقيدتهم – آمنون في كنفه، يعلمهم ولا يرهبهم، ويجيرهم ولا يقتلهم، ثم يحرسهم ويكفلهم حتى يبلغوا مأمنهم… هذا كله وهم يرفضون منهج الله.
وفي الأرض اليوم من أنظمة ومناهج وأوضاع من صنع العبيد، لا يأمن فيها من يخالفها من البشر على نفسه ولا على عرضه ولا على حرمة واحدة من حرمات الإنسان”([7]).
على أننا مع ذلك كله نتساءل عن هذه الفرية المكذوبة باتهام المسلمين بالإرهاب:
هل الذين يدفعون عن أنفسهم الشر والضيم يجاهدون للتحرر من أسر الذل والاستبداد إرهابيون؟ هل الدفاع عن النفس إرهاب؟ وهل الانتفاض في شجاعة وحمية وحماسة درءا للهوان والظلم والاستعمار والعبودية إرهاب؟ وهل الدعوة للإسلام ليشيع وينتشر وليستظل الناس بظله الكريم لكي تترسخ قواعد الأمان والاستقرار والسلام إرهاب؟ هل نزعة المسلمين العارمة الغاضبة في هذا الزمان من أجل التحرير ومحو العار الذي خلفه ظلم الاستعمار إرهاب؟
ثالثا. قتل كعب بن الأشرف ليس من قبيل الإرهاب، بل كان جزاء له على جرمه:
قبل الخوض في حادث مقتل كعب بن الأشرف لا بد من التعرض ولو بشيء من الإيجاز إلى تاريخ اليهود الأسود، وعلاقتهم بالدولة الإسلامية في مهدها وبداية نشأتها، خاصة أن كعبا هذا كان يهوديا:
بنو إسرائيل في المرجعية الإسلامية
حظي بنو إسرائيل في كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – بنصيب وافر من الإحاطة والشمول لكافة ما يتعلق بالعقيدة الإلهية ودور الدين ووظيفته في حياة البشر، استهدف الكشف عن بيئة الرسالة ونوعية المؤمنين بها والمعاندين لها من بني إسرائيل.
وبحكم كون القرآن هو كتاب الرسالة الخاتمة العامة للناس كافة، والتي ستنتقل بها النبوة على يد محمد – صلى الله عليه وسلم – من بني إسرائيل – بعد مطاف طويل الأمد بدأ بأبناء يعقوب وانتهى بالمسيح – عليه السلام – إلى بني إسماعيل، كان من المنطقي أن يقص هذا القرآن على النبي – صلى الله عليه وسلم – كل ما يمكن أن يعين على فهم طبيعة الرسالة الخاتمة إلى الناس جميعا، من هنا كان الخبر القرآني في كل ما يتعلق بالتاريخ الديني والسياسي لبني إسرائيل، فضلا عن خبره فيما انتهوا إليه من أمر العقيدة الدينية ونظرتهم إلى الأوامر الإلهية، خبرا مستفيضا يمتلئ بالدرس والعظة، فضلا عن تمييزه الحق من الباطل والخبيث من الطيب([8]).
فقد حكى القرآن كيف بدل بنو إسرائيل أركان الإيمان جميعها، فعاندوا المرسلين إما بالتكذيب أو بالقتل، وأعلنوا كفرهم بالله صراحة، وحرفوا الكتب المنزلة، وبعدوا عن الفهم الحقيقي للبعث والحساب؛ فاستحقوا لعنة الله في الدنيا وعقابه في الآخرة، وقد عرضت سورة البقرة – على سبيل المثال – لكثير من المنن التي تفضل الله بها على بني إسرائيل، وكيف قابلوها بتبديل العقيدة، ورفض النصح والإرشاد، واحتراف التزييف والتحريف والجدل والغدر ونقض العهود، والاستهانة بالأخلاق والحرمات والشرائع والاستعلاء العنصري والإلحاد المطلق، وكون كل ذلك من مفاتيح النفسية والشخصية اليهودية، وانتهت إلى أن الصراع بين الحق والباطل مستمر؛ لأن الباطل غير ساكن، ولا يلتزم بالآداب العامة والأخلاق الفاضلة التي تدعو إليها الأديان: {وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون} (البقرة: 61)، وأن نتيجة هذا الصراع ستئول في النهاية – مهما طال الأمد – إلى جانب الحق.
وهذا ما يؤكده قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله، هذا يهودي خلفي تعال فاقتله، إلا الغرقد؛ فإنه من شجر اليهود»([9]) ([10]).
تطور علاقة المسلمين باليهود
لم تكن الهجرة فرارا بالدين خشية الفتنة فيه فحسب، بل كانت تعاونا على إقامة مجتمع جديد في بلد آمن، وقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قائد هذا المجتمع، وإليه تنتهي أزمة الأمور بلا منازع، وقد كان يقطن المدينة مع النبي – صلى الله عليه وسلم – وصحابته من المهاجرين والأنصار أقوام تختلف طبائعهم ومشاربهم وهم: المشركون من أهل يثرب – المدينة المنورة – من الأوس والخزرج واليهود، وهؤلاء الأخيرون سكن منهم يثرب ثلاث قبائل مشهورة هي: بنو قينقاع كانوا حلفاء الخزرج، وكانت ديارهم داخل المدينة، وبنو النضير وبنو قريظة، وهاتان القبيلتان كانتا حلفاء الأوس، وكانت ديارهما بضواحي المدينة، وقد كانت هذه الطائفة – اليهود – تثير الحروب وتؤججها بين الأوس والخزرج.
وفي سبيل بناء المجتمع الجديد خطا النبي – صلى الله عليه وسلم – عدة خطوات، منها: عقد معاهدة مع اليهود لاستيعابهم ضمن نسيج المجتمع الجديد، ولئن كان يهود المدينة ومجاوراتها يبطنون العداوة للمسلمين ورسولهم، فإنهم لم يكونوا قد أظهروها بعد، فعقد معهم الرسول معاهدة ترك لهم فيها مطلق الحرية في الدين والمال، ولم يتجه ابتداء إلى سياسة الإبعاد أو المصادرة والخصام على أن يتناصروا معا في الدفاع عن مدينتهم ضد كل معتد، وبإبرام هذه المعاهدة صارت المدينة وضواحيها دولة وفاقية، عاصمتها المدينة ورئيسها – إن صح التعبير – الرسول، والكلمة النافذة والسلطان الغالب فيها للمسلمين، وبذلك أصبحت المدينة عاصمة دولة المسلمين، على أن اليهود – كما هو معروف من وقائع التاريخ – قد نقضوا بنود هذه المعاهدة وخانوا وغدروا مرة بعد أخرى، فنالوا جزاءهم المناسب في كل مرة بما يناسب جرمهم ويكافئ جريمتهم([11]).
فحين نصر الله المسلمين في موقعة بدر نصرا مؤزرا وصارت لهم هيبة وعزة وشوكة، تميزت قلوب اليهود من الغيظ، وكاشفوا بالشر والعداوة وجاهروا بالبغي والأذى، وانطلق زعماؤهم يثيرون النفوس ويؤججون المشاعر لدى المشركين للانتقام والثأر لقتلى بدر.
عداء كعب بن الأشرف السافر للإسلام
وكعب بن الأشرف من رؤوس اليهود، ينتسب إلى بني نبهان من قبيلة طيء، أصاب أبوه دما في الجاهلية فقدم إلى المدينة – هروبا من الثأر – وحالف يهود بني النضير، وتزوج بنت أبي الحقيق فولدت له كعبا، فشب غنيا مترفا وسيما، شاعرا معروفا، وكان من أشد اليهود حنقا على الإسلام والمسلمين، وإيذاء لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومجاهرة بالدعوة لحربه.
حين بلغه خبر انتصار المسلمين في بدر ومقتل صناديد قريش، قال: أحق هذا؟ هؤلاء أشراف العرب وملوك الناس، لئن كان هذا حقا لبطن الأرض خير من ظهرها، فلما تأكد لديه الخبر انطلق يهجو رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والمسلمين، وسافر إلى مكة ليحرض قريشا ضد المسلمين للثأر لقتلاهم الذين رثاهم رثاء حارا، ومما قاله فيهم:
طحنت رحى بدر لمهلك أهله *** ولمثل بدر تستهل وتدمع
قتلت سراة الناس حول حياضهم *** لا تبعدوا إن الملوك تصرع
كم قد أصيب بها من ابيض ماجد *** ذي بهجة تأوي إليه الضيع
ويقول أقوام أذل بسخطهم *** إن ابن أشرف ظل كعبا يجزع
صدقوا، فليت الأرض ساعة قتلـوا *** ظلت تسوخ بأهلها وتصدع
واستمر كعب في إيذائه لرسول الله وتحريض المشركين لحربه، وقد سأله أبو سفيان قائلا: أناشدك الله، أدين محمد وأصحابه أحب إلى الله أم ما نحن عليه؟ فأجابهم كذبا وزورا: بل أنتم أهدى منه سبيلا، فنزل قوله عز وجل: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا} (النساء: 51).
عاد ابن الأشرف إلى المدينة وقد لج في عداوته، وبلغت به الوقاحة أن امتد لسانه إلى نساء المسلمين، وشبب بأم الفضل زوج العباس -رضي الله عنه- عم النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال:
أذاهب أنت لم تحلل بمنقبة *** وتارك أنت أم الفضل بالحرم
صفراء رادعة لو تعصر انعصرت *** من ذي القوارير والحناء والكتم
إحدى بني عامر هام الفؤاد بها *** ولو تشاء شفت كعبا من السقم
فلم أر شمسا بليل قبلها طلعت *** حتى تبدت لنا في ليلة الظلم
وقد بلغ من تأثير شعر ابن الأشرف أن حث النبي -صلى الله عليه وسلم- شاعره حسان بن ثابت -رضي الله عنه- على التصدي له، فبلغت الحرب الكلامية والإعلامية بينهما أشدها، وكان مما قاله حسان في الرد على كعب:
أبكى لكعب ثم عل بعبرة *** منه وعاد مجدعا لا يسمع؟
ولقد رأيت ببطن بدر منهم *** قتلى تسح لها العيون وتدمع
ولقد شفى الرحمن منا سيدا *** وأهان قوما قاتلوه وصرعوا
ونجا وأفلت منهم من قلبه *** شغف يظل لخوفه يتصدع
شرعية الأمر بقتل كعب بن الأشرف
لا شك أن كعبا قد ارتكب في حق النبي والمسلمين والمسلمات – وهو معاهد في الأصل، أمن المسلمون جانبه بمعاهدة اليهود ومهادنتهم – جرائم عديدة وخيانات عديدة وإساءات متعمدة، كل واحدة منها تعد نقضا للعهد تستوجب عقوبة القتل، بل ربما حد الحرابة – القتل والصلب وتقطيع الأيدي والأرجل – لإفساده في الأرض بإساءاته للمسلمين وتحريضه للمشركين، فكيف إذا اجتمعت كلها في شخص هذا الشرير؟!
فمن الواضح أن الناقض للعهد المؤلب للعدو والمناصر له – جزاؤه المقاتلة والقتل، وهذا ما قضى به النبي – صلى الله عليه وسلم – في حق ابن الأشرف، فاغتالته جماعة من فدائي الصحابة – رضوان الله عليهم -. ألم يعقد الرسول – صلى الله عليه وسلم – العزم لمقاتلة قريش، وأعد العدة لذلك حين توجه لفتح مكة “8هـ” بسبب نقض قريش لشروط صلح الحديبية وإعانتها الموالين لها ضد قبيلة خزاعة – الموالية للرسول الداخلة في حلفه – بل حدث بعض القتال بالفعل في بعض نواحي مكة عند دخولها، فما الفرق بين أن يكون الغادر الناقض للعهد فردا أو جماعة؟! وعقوبة المعاهد الذي يشتم الرسول ويؤذيه بالهجاء أو غيره هي القتل، وهذا ما كان من ابن الأشرف، بل إن شاتم الرسول يضرب عنقه معاهدا أم غير معاهد، وهذا ما فصله شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه “الصارم المسلول على شاتم الرسول”.
ولا شك أن مواجهة أعداء الإسلام ومحاربي الدولة الإسلامية لا تقتصر على مواجهتهم السافرة في ساحات المعارك، وإنما تتعدى ذلك إلى كل وسيلة تحصل بها النكاية بالعدو والتهوين من همته، وقد يوفر القضاء على رجل واحد ذي شوكة ومنزلة دفاعية على المسلمين قتال يهود كثيرين وخسائر فادحة يتكبدونها في حرب واسعة، ودليل ذلك أنه ما إن شاع خبر مقتل ابن الأشرف حتى سارع زعماء اليهود إلى الرسول شاكين محتجين، فلم يحفل بهم، وسوغ ذلك بموقفه المعادي، فأوقع ذلك كله الرعب في نفوسهم، فلم يعد أحد منهم يجرؤ على الخروج من حصنه:
فغودر منهم كعبا صريعا *** فذلت بعد مصرعه النضير
واضطر اليهود إلى تجديد المعاهدة مع النبي – صلى الله عليه وسلم – فجددها معهم ولم يأخذهم بجريرة ابن الأشرف، وبهذا تفرغ النبي والمسلمون – حتى حين – لمواجهة الأخطار القادمة من خارج المدينة بعد أن أمنوا من بداخلها([12]).
وكثير من الدول المعاصرة تفخر كثيرا بذراعها الطويلة، عندما تنجح أجهزة مخابراتها في اغتيال أحد خصومها أو معارضيها المناوئين لسياساتها، وليس هناك من سبيل هنا للتسوية بين مشروعية اغتيال كعب بن الأشرف بيد المسلمين بأمر من نبيهم وبين جرائم اغتيال قادة المقاومة الفلسطينية على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي؛ ففي الحالة الأولى عاهد المسلمون اليهود – ابتداء – ولم يغصبوهم حقا، ولم يحملوهم على شيء يكرهونه في دين أو دنيا، فنقض اليهود العهد وعادوا المسلمين وناصروا عدوهم في أحلك الظروف، وتكرر منهم ذلك مرارا، فاستحقوا على هذا جزاء وفاقا.
أما في الحالة الثانية فإن شذاذ الآفاق قد تداعوا من كل حدب وصوب نحو أرض فلسطين، فاغتصبوها من أهلها وقهروهم وأبادوا من أبادوا وطردوا من طردوا، واستحكموا في البقية يذيقونها صنوف الأذى والاضطهاد، أفإن تجرأت الضحية في هذه الحالة، واستشعرت الإباء والكرامة ورفضت الخنوع والخضوع، وأعلنت الجهاد والمقاومة لاسترداد الحق المسلوب والعزة المهدورة، يكون من العدل هنا أن تعد هذه النفوس الأبية والهامات المرفوعة مجرمة إرهابية تستحق المطاردة والملاحقة والاغتيال كما استحقه ابن الأشرف! بعبارة أخرى. هل من الإنصاف المساواة بين الجاني والضحية المجني عليها؟!
رابعا. ولماذا يتهم دين الإسلام رغم سماحته وخلوه من الأفكار الإرهابية التي تنتشر في تعاليم الملل والنحل الأخرى في حين تبرأ ساحة الإرهابيين الحقيقيين؟!
يحق لنا أن نسأل عن العنف والإرهاب: هل هو ظاهرة إسلامية أو هو ظاهرة عالمية؟
بعض أبواق الإعلام الغربي – ومن في فلكها في ديارنا – تريد أن تبرز الإرهاب كأنه إسلامي الجنسية والهوية، وخصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر، وهذا خطأ فاحش بل ظلم بين.
لقد وجدنا العنف في أقطار ودول شتى في أنحاء العالم. لقد وجدناه في كل القارات: في بريطانيا، وفي اليابان، وفي أمريكا نفسها، وفي الهند، وفي فلسطين المحتلة من قبل الصهاينة، فلماذا ألصق بالمسلمين وحدهم دون غيرهم؟ إنه الإعلام الغربي والأمريكي والصهيوني، الذي يكتم الحق ويشيع الباطل، ويقولون على الناس الكذب وهم يعلمون.
والحق أن أمريكا التي ساندت الدولة التي قامت على الدم والإرهاب من أول يوم، ومن قبل أن تقوم دولة بني صهيون، تمارس هي نوعا من الإرهاب على العالم كله، وإن لم تسمه إرهابا، فهي تحدد الإرهاب كما تشاء، وبلا معقب، معلنة: أن من ليس معها فهو مع الإرهاب.
وإذا كنا نريد أن ندين الإسلام بحق، فإن أول إرهاب يجب أن يدان هو إرهاب الدولة الصهيونية المتجبرة التي بنيت على الإرهاب قبل أن تقوم، وتبنته بعد أن قامت، وهي تنتهك الحرمات، وتستحل سفك الدماء، وتدمير وإحراق مئات المنازل، وتجريف الأرض الزراعية، وتخريب كل شيء، فلا تتورع عن قتل طفل صغير أو شيخ كبير أو امرأة في بيتها. إن ذلكم لهو الإرهاب الفظيع المجلجل.
وأشد من ذلك وأفظع نكرا – اغتصاب البلاد والأوطان وتهجير أهلها الآمنين، واضطرارهم للرحيل عنها قسرا ليتيهوا في آفاق الأرض هائمين على وجوههم من أهوال القمع والإبادة والتخويف والتطهير العرقي طوال السنين الخمسين الفائتة، ما يروع القلوب ويزلزل الفرائص والنواهي.
ولا ننس ما تفعله أمريكا في العالم بأكمله – خاصة الدول الإسلامية – كاحتلال أراضي العراق وتشريد أهلها وقتل شيوخها ونسائها وأطفالها، وما تفعله في أفغانستان.
هل نسي هؤلاء الظلمة القتلة أنهم محتلون غاشمون قد عاثوا في البلاد تلويثا وإفسادا؟ أنسي هؤلاء الجلادون الطغاة أو تناسوا أنهم تآمروا على الإنسانية في كل أطراف المعمورة – المسلمين خاصة – لاحتلالهم وإذلالهم، ومن أجل إضعافهم وتدمير عقيدتهم ونهب ثرواتهم وخيراتهم، وذلك بمختلف الأساليب في القمع والكيد والترويع والترهيب والإبادة والاستئصال؟
وما فتئ المحتلون الجلادون، وهم الذين يصطنعون شعارات السلام زورا ودجلا، يكيدون للمسلمين خاصة في سائر أنحاء الدنيا لتبديد شوكتهم وإزالة وجودهم أو كيانهم من خريطة المعمورة إن استطاعوا. ويشهد على ذلك أيضا جرائم الصليبية الحاقدة العمياء في إبادة المسلمين في بلاد البوسنة والهرسك. وغير ذلك من وجوه الرصد والتواطؤ والتمالؤ على المسلمين بتشويه عقيدتهم وإشاعة الأكاذيب والافتراءات على دينهم وتاريخهم.
ولكن ليس من الإرهاب في شيء: أن يدافع الإنسان عن وطنه، ويقاتل محتليه وغاصبيه المعتدين عليه، المستندين إلى ترسانتهم العسكرية الجبارة، وأن يقاتل أعداءه بما يملكه من قوة، كأن يجعل من نفسه قنبلة بشرية، ويفجر نفسه في أعدائه الطغاة المتكبرين في الأرض بغير الحق، فهو يضحي بنفسه فداء لأمته وقضيته، وهذا سلاح ملكه الله للضعفاء في مواجهة الذين يملكون القوة العسكرية الطاغية. فهذه العمليات الاستشهادية مشروعة للدفاع عن النفس والدين والأرض والعرض.
والمسلمون أبعد الناس كافة عن كل هذه المفاسد والآثام والشرور، فهم أنصار الحق في وجه الباطل مهما تكن الظروف، وتاريخ المسلمين شاهد على مثل هذه الحقيقة التي لا ينكرها إلا جحود متربص أو مريض كذاب. لقد كان المسلمون كذلك إبان أمجادهم الزواهر بدءا بزمن النبوة المحمدية الميمونة، ومرورا بالخلافة الراشدة المثلى، وانتهاء بدولة الإسلام ذات الأمجاد وعزة السلطان، إذ كان المسلمون في كل هذه الحقب من الزمن دعاة خير ورحمة وسلام قد شاع في الدنيا فكانت البشرية حينئذ تنعم بالأمان والسكينة والاستقرار.
وإذا كان النظام العالمي الجديد جادا حقا في محاربة الإرهاب، فعليه أن يدين الإرهاب الحقيقي أولا، وأن يقلم أظافره ويخمد ناره، وأن يقف بجوار الشعوب المقهورة، التي تقاوم عدوها المحتل لأرضها بما تستطيع وتملك من وسائل وأدوات، هي جهد المقل وطاقة العاجز.
ومن الواجب علينا جميعا أن نبحث عن أسباب الإرهاب في العالم، ونجتهد أن نقتلعها من جذورها، وأعظم أسباب الإرهاب هو الظلم والطغيان والاستكبار في الأرض على المستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا.
إن كل الأكاذيب والشبهات والتشويه، والدس الخبيث والافتراءات التي وجهت إلى عقيدتنا وتاريخنا – نحن منها براء قطعا، ولكن خصوم الإسلام وجهوا إلينا الاتهامات خبثا وحقدا؛ لنقف موقف المتهم المدافع عن نفسه، الذي يسعى بكل ملكاته وإمكاناته لدفع ما وجه إليه؛ خشية الإدانة، وهذا يعد من قبيل ” الإسقاط ” المدروس الواعي،([13]) الذي يكذب وهو يعلم أنه يكذب، إنه إسقاط صادر عن لجان ومؤتمرات، وعن حملة أقلام موظفة، وما ذاك إلا لشعورهم بالنقص، وبسبب عقلانية الإسلام وعلميته مقابل خرافات عقائدهم، وما يكسبه الإسلام كل يوم على أرض الواقع رغم حال المسلمين.
الخلاصة
إن اتهام الإسلام بأنه دين الإرهاب دعوى انعكاسية وإن رددتها وسائل إسقاط من صناع البغي والعدوان والإرهاب الجناة يرمون بها الضحايا البرآء.
الإسلام دين الرحمة والسماحة والسلام، وما عرفت الحياة على وجه الأرض معنى الأمن والأمان وما ذاقت طعم السلام إلا في كنف المسلمين حين كانوا سادة العالم.
كعب بن الأشرف أحد رؤوس اليهود الذين حقدوا على المسلمين وانتصاراتهم، فذهب يشعل نار البغضاء والشحناء بين المسلمين وأهل مكة بسلاحه اللعين – سلاح الشعر – ولم يكتف بذلك، بل تعرض لنساء المسلمين ونبي الإسلام بالهجاء وإلصاق كثير من الافتراءات بالإسلام وأهله، فواجه سيدنا حسان بن ثابت هذا الصنديد، لكنه لم يرتدع.
ارتكب كعب بن الأشرف بهجاء النبي – صلى الله عليه وسلم – وسبه وسب المسلمين والمسلمات العديد من الجرائم الكبرى والخيانات المتعددة والإساءات المتعمدة، كل واحدة منها تعد نقضا للعهد وتستوجب عقوبة القتل، بل حد الحرابة (القتل أوالصلب أوتقطيع الأيدي والأرجل من خلاف أو النفي)، ومن ثم حكم النبي – صلى الله عليه وسلم – في حق ابن الأشرف بالقتل، فاغتالته جماعة من فدائيي الصحابة، وليس في ذلك غرابة، فلقد جهز النبي – صلى الله عليه وسلم – جيشا لقتال قريش إثر نقضها لصلح الحديبية، فما الفرق إذن أن يكون الغادر الناكث للعهد فردا أو جماعة؟!
عقوبة المعاهد الذي يسب الرسول – صلى الله عليه وسلم – ويؤذيه بالهجاء أو غيره هي القتل، وليس هذا للمعاهد فقط، فلقد حكم شيخ الإسلام ابن تيمية بقطع رقبة شاتم الرسول معاهدا كان أم غير معاهد، ومقتل ابن الأشرف أوقع الرعب والخوف في نفوس اليهود وقلوبهم، فلم يجرؤ أحد على الخروج من حصنه، ومن ثم فقد تفرغ النبي – صلى الله عليه وسلم – لمواجهة الخطر القادم من خارج المدينة.
في أيامنا هذه تفخر كثير من الدول عندما تنجح في اغتيال أحد خصومها البارزين، ولكن عندما يكون الأمر للمسلمين فتكون الجريرة والإنكار.
الإرهاب الحقيقي هو ما تقوم به قوى الاحتلال اليهودية في الأراضي الفلسطينية المغتصبة من تدمير واغتيال، وتهجير لأصحاب الأرض والوطن، وكذلك ما يقوم به الأمريكان والغربيون المعتدون المحتلون لبعض الدول الإسلامية من أعمال وحشية ضد البلاد المحتلة وأهلها وسكانها الأصليين.
ليس الدفاع عن النفس والعرض والمقاومة من أجل تحرير الوطن إرهابا، بل هو جهاد مقدس واجب على كل المسلمين ضد قوى البغي والعدوان حتى يتم تحرير الأرض وتطهيرها من أيدي الجناة المغتصبين العابثين.
الهوامش:
(*) محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ مؤسس الدين الإسلامي ومؤسس إمبراطورية المسلمين، جورج بوش، ترجمة: عبد الرحمن عبد الله الشيخ، دار المريخ، السعودية، ط2، 2004م. الدر المنقوش في الرد على جورج بوش، عبد البديع كفافي، دار الفتح للإعلام العربي، القاهرة، 2005م.
[1]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها (2393).
[2]. صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الفضائل، باب ما أعطى الله تعالى محمد صلى الله عليه وسلم (31782)، والدارمي في سننه بالمقدمة، باب كيف كان أول شأن النبي صلى الله عليه وسلم (15)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (490).
[3]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والأدب، باب النهي عن لعن الدواب وغيرها (6778).
[4]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، أحاديث رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (23114)، وأبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب من يأخذ الشيء على المزاح (5006)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (5004).
[5]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الفتن، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: “من حمل علينا السلاح فليس منا” (6661)، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصة والأدب، باب النهي عن الإشارة بالسلاح إلى مسلم (6834)، واللفظ له.
[6]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكيين، حديث رباح بن الربيع رضي الله عنه (16035)، وأبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب في قتل النساء (2671)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (2669).
[7]. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط13، 1407هـ/ 1987م، ج3، ص1603.
[8]. الدين الحق وبنو إسرائيل، د. صابر طعيمة، دار الجيل، بيروت، ط2، 1991م، ص5.
[9]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب قتال اليهود (2767)، ومسلم في صحيحه، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء (7523)، واللفظ له.
[10]. اليهود في سورة البقرة، عبد الخالق الشريف. النزعة العنصرية الدموية لعقيدة شعب الله المختار، د. محمد عمارة، مقالان بمجلة الرسالة، العدد 16، أغسطس 2005م.
[11]. انظر في هذا الموضوع: الرحيق المختوم، صفي الرحمن المباركفوري، دار المؤيد، السعودية، 1418هـ/ 1998م، ص294، 295 وما بعدها. فقه السير النبوية، د. محمد سعيد رمضان البوطي، مكتبة الدعوة الإسلامية، القاهرة، ط7، 1398هـ/ 1977، ص203 وما بعدها.
[12]. السيرة النبوية، د. علي محمد محمد الصلابي، دار الفجر للتراث، القاهرة، ط1، 1424هـ/ 2003م، ج2، ص111 وما بعدها.
[13]. الإسقاط PROJECTION: حيلة لا شعورية تتلخص في أن ينسب الإنسان عيوبه ونقائصه ورغباته المستكرهة ومخاوفه المكبوتة التي لا يعترف بها إلى غيره من الناس، أو الأشياء أو الأقدار؛ .وذلك تنزيها لنفسه وتخففا مما يشعر به من القلق أو الخجل أو النقص أو الذنب، انظر: أصول علم النفس، د. أحمد راجح.
______________
* المصدر: موقع بيان الإسلام.