م. محمود صقر
سألتُ سيدة هندية هندوسية على قدر عالٍ من العلم والثقافة: هل من الممكن أن تختصري لي معتقد الهندوس، لأنني دخلت معابد هندوسية كثيرة وتاهت خطاي وسط أشكال وألوان من المعبودات؟!
فبدأت إجابتها قائلة: نحن نؤمن بوجود إله أعظم هو القوة العظمى المسيّرة للكون.
لم أتمالك نفسي من مقاطعتها متعجبا من تلك الإجابة مقابل هذا الكم الهائل من المعبودات.
فاستطردت قائلة: نعم نحن نعبد العديد من المعبودات لكنها آلهة فرعية؛ فمثلاً هناك إله للمعرفة أتوجه إليه بالدعاء وأنا أطلب العلم، وغيره للأعاصير والفيضانات، وغيره للخير والنماء.. وهكذا، لكن في قمة هؤلاء إله واحد مهيمن.
سألتها: هل تؤمنون بالبعث بعد الموت؟
قالت: نعم؛ والخلاصة أن ما تفعله في الدنيا ستجده في الآخرة، إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
في حوار آخر مع موظف الاستقبال في الفندق الذي كنت نزيله في لندن، سألته: أريد زيارة أحد معابد السيخ في المدينة.. فهل لك أن تدلني؟
فتهلل وجهه بِشراً، ورحب جدا، وعرفني بأنه ينتمي لطائفة السيخ، ثم استطرد قائلا:
إننا موحدون، ولن تجد في معابدنا ما تجده في معابد الهندوس والبوذيين من صور وتماثيل!
المسيحيون مع الأب والابن والروح القدس يختمون بـ(إلها واحدا).
الدروز يسمون أنفسهم: الموحدون.
اليهود يعتبرون أنفسهم أنهم وحدهم الموحدون.
البوذية التي يقولون إنها تعاليم دنيوية لا تتعرض لوصف الإله ولا اليوم الآخر، رأيت بنفسي في معبد ( Chin Swee ) في مرتفعات جنتج بعاصمة ماليزيا مشاهد مصورة لعذاب العصاة يوم القيامة وبجوارها نصوص تدل على إيمانهم بالبعث والنشور.
مشركو العرب منذ القدم عبدوا أصناماً بأشكال وخامات وأغراض متعددة وكانت حجتهم {ليقربونا إلى الله زلفى}!
البشر -كل البشر- فيهم من أصل الخِلقة نفخة من روح الإله، جعلتهم يَجدّون في البحث عن الله سواءً اهتدوا أم ضلوا، أم حتى أنكروا.
ومن يتأمل مسيرة الإنسان على الأرض يدرك أن نفخة روح الإله في الإنسان تقوده للاعتقاد بوجود روح عظمى مهيمنة على الكون يبحث عنها فيهتدي للتوحيد أو يضل؛ فيتجسدها في بشر أو حيوان أو حجر.
وتظل إحدى العلامات الدامغة لهذا البحث هي دور العبادة.
وليس غريبا أن يقول المؤرخ الإغريقي (بلوتارك): “من الممكن أن توجد مُدن بلا أسوار وبلا ثروة وبلا آداب وبلا مسارح، ولكن لم يَرَ الإنسان قط مدينة بلا معبد أو لا يمارس أهلها الصلاة”.
فالإنسان عبر تاريخه الطويل منذ أن كان يعيش في الكهوف، يبحث عن الإله ويتصوره في فنونه ونقوشه التي اكتشفها علماء الآثار.
بل إن الآثار المعمارية الخالدة للإنسان ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالدين؛ بدءاً من الأهرامات والمعابد المصرية، مروراً بمعابد البوذية والهندوسية وصولاً إلى الكنائس والمساجد.
خرجت من ذلك الرصد والبحث والتأمل بحمد الله على نعمة الإسلام، ومعرفة قدر الرسول الذي هدانا للتوحيد الخالص، وفضل كتاب الله الذي لم يترك أي ثغرة لمسلم ينفذ منها لتجسيد أو تصوير الإله.
وخرجت منها بالتحسر أمام هؤلاء الباحثين عن الله، والشفقة عليهم، والإحساس بمسئولية التقصير تجاه هدايتهم.
{يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ}.