فرنسا واحدة من أكثر الدول الأوروبية التي يعيش على أراضيها عدد كبير من المسلمين، ورغم أنه ليس هناك معلومات أو أرقام حول العدد الحقيقي للمسلمين هناك، حيث يحظر القانون الفرنسي تحديد المواطنين على اعتبار الدين، فإن العدد يميل إلى الزيادة منذ ثلاثين عاما.
صحيفة “لوموند” الفرنسية أوردت تقريرا عن الأسباب التي يعتنق الفرنسيون الإسلام بسببها، مشيرة إلى أنها باتت مسألة تؤرق الأسر الفرنسية يوما تلو الآخر خصوصا في ظل تزايد أعداد المعتنقين للإسلام، وفي ظل خوف الأسر من أن يقع أبناؤهم ضحية للأفكار المتطرفة، وبالتالي القيام بأعمال إرهابية أو الذهاب إلى العراق وسوريا.
وقالت الكاتبة جوليا باسكال إن ببيت أم إسبانية تنحدر من عائلة كاثوليكية، اعتنقت ابنتها ألكسندرا الإسلام، وتخشى ما سيحدث في المستقبل.
الأم تقول إن ابنتها أحبت صبيا واعتنقت الإسلام وهي اليوم عندها ثلاثة أطفال وتتعلم اللغة العربية وتخطط للدراسة في مدرسة إسلامية، ومنذ شهر سافرت مع زوجها إلى مكة.
بيبيت تشير إلى أنها تواجه اليوم صعوبات كبيرة في التواصل مع ابنتها، وتخشى أن ترتدي النقاب وتلتحق يوما ما بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
وأوضحت الكاتبة أن وزارة الخارجية الفرنسية أكدت أن نسبة الشباب الفرنسيين الذين اعتنقوا الإسلام والتحقوا بصفوف “داعش” تمثل ما يقرب من الربع، وتنقل عن محمد العدراوي الخبير في شؤون الجماعات الجهادية تأكيده أن “الجهاد المسلح” لا يجلب سوى أقلية من بين الذين اعتنقوا الإسلام في فرنسا، وعددهم يتراوح ما بين سبعين ألف ومائة وعشرين ألف شخص.
وأوضح أن المنابر الإعلامية لـ”داعش” سعت لتضخيم عدد المنضمين له بهدف تسليط الضوء على نجاحه في استقطابهم، وهو ما أدى إلى تضليل الرأي العام وربط فكرة اعتناق الإسلام بفكرة الانتماء للتنظيم، في ظل غياب إحصائيات ودراسات دقيقة.
وحول تزايد اعتناق الإسلام في فرنسا.. أشار العدراوي إلى أنه ظهر في القرن التاسع عشر بسبب اتصال المثقفين مع الدول المستعمرة، وفي النصف الثاني من القرن العشرين انتشر التصوف بين الشباب الغربي الذي سافر إلى آسيا الوسطى وأفغانستان، بحثا عن الإشباع الروحي.
في 1990 حدث تطور كبير، عبر التواجد المكثف للمسلمين في فرنسا، وأدى تأثير المهاجرين والعلاقات الاجتماعية خاصة بين الشباب والقيم الروحية إلى تزايد أعداد المعتنقين للإسلام، يشير سمير أمغار، الباحث في جامعة بروكسل الحرة.
وأوضح أنه في المدرسة الثانوية، تزايد حضور الدين الإسلامي من خلال الأشخاص الذين ينتمون إلى أصول من شمال أفريقيا، فعلى سبيل المثال كان هناك فتاة تدعى جسيكا مارليه عندما بلغت سن الرشد اعتنقت الإسلام، ومن ثم الذهاب للمسجد لـ”تعلم كيفية الصلاة”.
وأشارت جسيكا إلى أن السكينة التي أحست بها في المسجد وأثناء الصلاة، إضافة إلى الترحيب الذي حظيت به من قبل المسلمين، وراء اعتناقها الإسلام.
ونقلت الكاتبة عن أمغار أن جسيكا تبلغ حاليا من العمر 28 عاما وتؤدي الصلوات الخمس، وتتعلم اللغة العربية، وتعيش حياة مستقرة، تزوجت منذ ثلاث سنوات من مسلم التقت به في هيئة الإغاثة الإسلامية بفرنسا، غير أنها لم ترتد الحجاب بعد لأنها تشعر بأنها غير مستعدة لذلك.
جسيكا تقول إنها وجدت في الإسلام الغذاء الروحي والشعور بالاستقرار “نشأت في دور رعاية، افتقدت الكثير، والآن أشعر كثيرا بأنني في حاجة إلى الصلاة”.
في بعض الأحيان يكون الطريق أكثر تعرجا- تقول الصحيفة- تماما مثل ديدييه، معلم الكاراتيه الذي “جذبه السمو والروحانية”، واعتناقه للبوذية واهتمامه بالكتاب المقدس يشهد على ذلك.
قبل بضع سنوات، التقى ديديه بمسلم وشككه في عقيدة الثالثوث المسيحية، حيث لجأ إلى القرآن الكريم واطلع على المذهب السلفي، وفي النهاية هذا اﻷب البالغ من العمر 33 عاما يقول إن “اﻹسلام جذبه لأنه الأكثر روحانية، أنا لا أشارك في الطقوس الجماعية. أنا مسلم، أؤمن بالله وأشهد أن محمدا رسول الله. الباقي هو تنمية شخصية”.
إلى جانب هذه الدروب الروحانية، محمد العدراوي، يسلط الضوء على الاعتناق الدبلوماسي للإسلام، والذي ينجم عن علاقة عاطفية وينتهي بالزواج.
من جهته عالم الاجتماع لويك لو باب رأى أن العديد من الأشخاص يعتنقون الإسلام، بدافع التعاطف مع الفئة التي تتعرض للظلم دون أن ينفي حضور الدافع الديني.
جاك وميلين (أسماء مستعارة) زوجان يعتنقان المسيحية يرويان كيف أن ابنتهما الوحيدة لويس اعتنقت اﻹسلام، فعندما كانت في المدرسة الثانوية كان أصدقاؤها غالبا من المسلمين.
وعندما أصبحت شابة – تقول ميلين – عملت في مجال خدمة المجتمع، حيث كانت تشارك العائلات المسلمة في أنشطتها الاجتماعية.
ومنذ سنوات شهدت حادثة مأساوية بين شاب ورجال الشرطة تركت فيها أثرا عميقا، بعد تعرض هذا الشاب لاعتداء عنيف من قبل قوات الشرطة.
وعقب الحادث بدأت ابنتها تفكر جديا في اعتناق اﻹسلام “إنها كانت لا تعرف شيئا عنه، لا تستطيع حتى قراءة القرآن، ذهبت فقط لبعض الندوات التي يلقيها طارق رمضان، قبل أن تشرع فعليا في اتباع تعاليم الإسلام”، تتذكر ميلين.
جاك وميلين أكدا أن اعتناق ابنتهما اﻹسلام أضفى على أخلاقها “الحكمة والهدوء”، ويشيران إلى أنهما ما زالا يشعران بالضيق تجاه اعتناق لويس لهذا الدين.
وعن هذا الشعور بالضيق داخل الأسر التي يعتنق أبناؤها اﻹسلام، يقول الأب جان كورتوديار، المسؤول عن العلاقات مع الإسلام في أسقفية “سين سين دوني” إنه بالنسبة للوالدين، اعتناق اﻹسلام ليس الخبر السار على اﻹطلاق، موضحا أنه يعرف ذلك جيدا، حتى أن البعض يشعر بأنه “عار”.
وأشار إلى أن كثيرا من اﻵباء يخشون أن يتجه أبناؤهم بعد اعتناقهم اﻹسلام إلى التطرف، موضحا أن الشباب المقبل حديثا على الإسلام يكون عرضة للتأثيرات السلبية، لأنه يحاول تعلم دينه من خلال شبكة الإنترنت، بعيدا عن أجواء المساجد التي يكون الخطاب الديني فيها مؤطرا.
وحذر كورتوديار من عدم الحوار وتواصل الآباء مع أبنائهم، ومواقف ودوافع الطرف الآخر.
ولفتت الصحيفة إلى أن آن صوفي خبأت عن والدتها اعتناقها اﻹسلام لمدة ثلاث سنوات، إذ لا يزال هذا الموضوع حتى اليوم من “المحرمات”.
تقول صوفي “لمدة عام اضطررت أن أبرر لنفسي كل شيء من طلب اللاعبات من الفيفا السماح لهن بارتداء الحجاب إلى الإرهاب. أمي كانت لا تريد مني التحدث لأختي أو أجدادي عن اعتناقي للإسلام، كانت تخاف من أن يكون معديا”.
__________
* المصدر: موقع مصر العربية.