القائمة الرئيسية
 الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

من أخلاق الداعية (1)

د.سلمان بن فهد العودة

         

بسم الله الرحمن الرحيم


1- بدون مقدمات:

كان من صحيح دعائه صلى الله عليه و سلم :

“اللهم اهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، و اصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك و سعديك، والخير كله في يديك، و الشر ليس إليك، أنا بك و إليك، تباركت و تعاليت” مسلم 1/535.

“اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق و الأعمال و الأهواء”. الترمذي 5/536.

“اللهم حسنت خلقي فحسن خلقي”. أحمد 1/403، 6/68، 155.

“اللهم إني أعوذ بك من العجز و الكسل، و الجبن و البخل، و الهرم و القسوة، و الغفلة و العيلة، و الذلة و المسكنة، و أعوذ بك من الفقر و الكفر، و الفسق و الشقاق و النفاق، و السمعة و الرياء، و أعوذ بك من الصمم و البكم، و الجنون و الجذام، و البرص و سيئ الأسقام”. المستدرك 1/530، 531.

2-  لأتمم مكارم الأخلاق:

تتبوأ الأخلاق في الإسلام موقعاً من أعظم المواقع، حتى لقد صح عنه صلى الله عليه و سلم، أنه قال: “إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق“.

و في لفظ: “مكارم الأخلاق(1).

فكأنه صلى الله عليه و سلم حصر المهمة التي بعث لها في هذا الأمر.. ولا غرابة!

* فإن نحن فهمنا “الأخلاق” على أنها تعامل العبد مع الله و مع الناس، فالأمر واضح، و هذا هو الدين كله، كيف تتعامل مع الخالق؟ كيف تعبده و توحده و تتجنب ما يسخطه؟ و كيف تتعامل مع المخلوق؟ و يدخل في ذلك الملائكة و الأنبياء و الصالحون و الأقربون ممن لهم حقوق الحب و الود، كما يدخل فيه الصنف الآخر من الشياطين و الكفار و الفساق و المنافقين ممن يبغضهم الإنسان في ذات الله كالكفار، أو يبغضهم من جانب واحد كالفساق الذين يكون فيهم أصل الإيمان بالله و رسله.

أما إن فهمنا “الأخلاق” بمعنى أخص، و أنها التعامل مع الناس فحسب، فالحديث إذن محمول على بيان عظم فضل الأخلاق، و علو مكانتها في الدين، فهو كحديث: “الحج عرفة(2)، و حديث: “الدين النصيحة(3).

إذ ليس المقصود حصر الحج في عرفة، و لا حصر الدين كله في النصيحة إنما المقصود أن الوقوف بعرفة أعظم أركان الحج، و أن للنصيحة مرتبة عالية في الدين.

فلا إشكال في الحديث على المعنيين، و كلاهما له دلالة قوية على عظم شأن الخلق في الإسلام.

3- مسلم .. و داعية :

من هذا المنطلق وجب على المسلم التحلي و التجمل بالخلق الحسن، سواء كان داعية أم غير داعية، إذ الأخلاق من مقاصد البعثة المحمدية التي أكرم الله بها الإنسان في الأرض كلها، و خص المؤمنين بخصيصة منها ليست لسواهم، حيث هداهم بها إلى الصراط المستقيم، و زكى نفوسهم، و علَّمهم ما لم يكونوا يعلمون: “هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته، و يزكيهم، و يعلمهم الكتاب و الحكمة، و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين”. (سورة الجمعة /الآية2).

و التزكية المذكورة في الآية الكريمة تشمل تزكية النفس و تربيتها على معالي الأخلاق، و تنقيتها من رديئها.. ففي الآية هذه كما في الحديث السابق تبدو الأخلاق مقصداً من مقاصد البعثة المحمدية، بل من أبرز مقاصدها.

و إذا كان التحلي بالخلق الفاضل واجباً على آحاد المسلمين… فما بالك بالداعية الذي يحمل راية الدعوة و شعارها.. و ينادي بها بين الناس؟

إن الأنظار إليه أسرع، و الخطأ منه أوقع، و النقد عليه أشد، و دعوته يجب أن تكون بحاله قبل مقاله.

و لذلك فتخلقه بالخلق الكريم أوجب و ألزم ، قياما بحق ما جعل الله على كاهله من الأعباء الجسام .. كما قال الشاعر:

شكرا لفضلك إذ حملت كاهلنا ***  مما وثقت بنا ما كان من نوب !

و حماية للدعوة و أهلها من ألسنة المغرضين، و أقلام الخصوم الشانئين، و أوهام الغفل و المتعجلين!

 

4- و هذه منها :

لو أردت أن أتحدث عن الأخلاق كلها لطال المقام و لم أصنع شيئاً ، و بين يدي مجموعة كبيرة من المصنفات في الأخلاق، منها: “أخلاق النبي” لأبي الشيخ الأصبهاني، “مكارم الأخلاق” للطبراني، و للخرائطي، “الأخلاق و السير” لابن حزم، “دستور الأخلاق في القرآن” لمحمد عبد الله دراز.. الخ.

و هذه الرسالة – أخي الكريم – ليست بحثاً في الأخلاق و فلسفتها، و إنما هي عرض لمجموعة من الفضائل الخلقية التي شعرت بأهميتها العظمى للداعية مع كثرة النصوص فيها، و إنما أتحدث فيها عن جوانب مهمة، و أترك غيرها مما هو متوفر في المصادر العلمية لمن أراده.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)  رواه أحمد (2/381)، و مالك بلاغاً (2/904)، و البزار كما في المجمع (9/15)، و قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. و قال ابن عبد البر: هو حديث مدني صحيح متصل من وجوه صحاح عن أبي هريرة و غيره.

(2)  رواه الترمذي 899، و أبو داود 1949، و النسائي 3044، و ابن ماجه 3015، و الدارمي و غيره.. جميعهم عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي.

(3)  رواه مسلم 55، و أبو داود 4944، و النسائي 4197 – 4198 من حديث تميم الدارمي.

مواضيع ذات صلة