هاني صلاح
عندما يأخذ أي إنسان قراره بالسفر لبلد ما، فإن أول ما يقوم به هو التعرف على البلد المتجه إليه، بهدف تجهيز ما يمكن أن يفيده على المستوى الشخصي خلال إقامته أو عمله بهذا البلد.
ولكن بالنسبة للداعية فالأمر مختلف، فبالإضافة إلى اهتمامه بالجوانب الشخصية وحرصه على تحقيق المنفعة الذاتية المرجوة من هذا السفر، فإنه ينظر لهذا المجتمع الجديد متشوقا لمعرفة أحوال الناس في هذا البلد، وماذا يمكن أن يقدمه لهم دعويا، ليس للمسلمين منهم فحسب، بل لكافة فئات هذا المجتمع.
فالداعية وإن كان ذاهبا للعمل بهدف طلب الرزق، فلا يفوته أيضا استثمار فرصة إقامته وعمله بهذا البلد في توجيه الناس للخير وتقديم المنفعة لهم، ابتغاء وجه الله تعالى، والفوز بالأجر الأخروي.
ومن واقع تجربة شخصية لنا ومما شاهدناه من تجارب لبعض من أحبابنا الكرام الذين كانوا معنا في رحلة خارج الوطن شارفت على عقد من الزمان، ومن خلال الاستفادة مما قد نكون قد قصرنا فيه، والتركيز على ما قد نكون قد أصبنا فيه، أثمرت هذه التجربة بسلبياتها وإيجابياتها عن دروس مستفادة، نهديها إلى كل داعية يتهيأ للسفر خارج وطنه، رجاء أن تكون مفيدة لتحقيق بداية ناجحة ومستمرة للداعية قبل سفره وأثناء إقامته وعمله، وأيضا بعد عودته لوطنه.
ماذا تفعل قبل السفر؟
بقدر ما يستعد الداعية للسفر ويهيئ نفسه له، بقدر ما يساعده ذلك على نجاحه فيما بعد، وبقدر ما يكون في بداية سفره حريصا على سلوكه وتصرفاته في هذا المجتمع الجديد عليه، بقدر ما يناله الاحترام والتقدير من أهل هذا البلد. ومما قد يساعده على ذلك بعض الأمور الهامة منها:
1- البدء في تخصيص “أجندة” لتدوين أهم المعلومات عن هذا البلد في المجالات المختلفة، خاصة في مجال العادات، وعلاقات المجتمع مع الأجانب، ونظرته للعرب والمسلمين، مع التنقيح والتصحيح والتحديث المستمر لهذه المعلومات.
كما أنصح بإفراد جزء من هذه “الأجندة” لتدوين التجارب العملية الهامة التي سيمر بها الداعية، بسلبياتها وإيجابياتها.
2- حمل هدايا عامة صغيرة ومتنوعة، تعكس ثقافة وتراث بلد الداعية، فإن هذا الأمر سيكون من مجالات اهتمامات أهل هذا البلد خلال أحاديثهم ومناقشاتهم مع الداعية المغترب.
3- شراء مستلزمات وهدايا إسلامية متنوعة، مثل شرائط أو أسطوانات للقرآن الكريم، (يفضل تلك الأسطوانات التي تشتمل على تفسير القرآن الكريم بعدة لغات)، وأيضا هدايا مثل السواك وسجادة الصلاة والمنبه بصوت الأذان، وغيرها من الهدايا التي يمكن أن يهديها الداعية المغترب للمسلمين بهذا البلد، أو لأهل المسجد الذي سيتردد عليه خلال إقامته، فالهدية تشيع جوا من المحبة والتقدير.
4- في حالة السفر لدولة غير إسلامية، ينبغي حمل بعض الكتب أو الأسطوانات التي تعرِّف بالإسلام تعريفا صحيحا، على أن تكون بلغة أهل البلد.
5- توثيق الصلات مع الموظفين والعاملين بسفارة البلد المتجه إليها، وذلك حين توجهه إليها للحصول على التأشيرة، فيتعرف عليهم ويعرض توصيل الرسائل أو حمل الأمانات لأقاربهم. ونفس الأمر يمكن أن يتم مع جالية هذه البلاد الموجودة ببلد الداعية، فيحرص على مقابلتهم، والتحاور معهم حول عمله هناك، وما يمكن أن يفيدوه به من نصائح وإرشادات حول طبيعة مجتمعهم وعاداته.
6- الاهتمام بتعلم لغة البلد المتوجه إليه، فهي ضرورية له على صعيد العمل والإقامة هناك، وقد لاحظنا أن احترام أهل البلد للأجنبي عنها المتعلم لغتها أكثر من الأجنبي الذي يعمل لديها ويقيم بها ولم يجتهد في تعلم لغتها. والداعية المغترب في حاجة لكسب احترام أهل البلد كخطوة على طريق كسب تقديرهم واحترامهم لدعوته.
نصائح أثناء الإقامة والعمل
بمجرد وصول الداعية المغترب للبلد المتوجه إليه، عليه أن يبدأ في دراسة هذا المجتمع الجديد عمليا، والتعرف عليه وعلى عاداته، ولا ينسى أن أفراد هذا المجتمع سيسعون أيضا للتعرف عليه وعلى سلوكياته وعاداته. وهذه المرحلة غاية في الأهمية، حيث إن نجاح الداعية المغترب في التفاهم مع هذا المجتمع خلال حركته المعيشية والوظيفية سوف يسهم بدرجة كبيرة في كسب احترام أهل هذا البلد له، ومن ثم تتفتح آذانهم لسماع ما يقول بعد أن أبصرت أعينهم ما يعمل، واطمأنت قلوبهم لسيرته.
وهكذا يبدأ المشروع الدعوي -كأي مشروع آخر- بإعداد دراسة أولية له، وهو أحق بهذه الدراسة؛ لأنه مشروع بناء الإنسان الصالح وإرشاد المجتمع الإنساني. وإن كانت هناك بعض الدراسات أو التقارير المعدَّة سابقا من قبل أفراد أو مؤسسات فيمكن الاستفادة منها وإضافة كل جديد عليها، والحرص على إفادة الآخرين بها، سواء السابقين في هذا البلد حضورا، أو الذين يأتون بعد ذلك.
وفي هذا السياق يمكن عمل الآتي:
1- مشاركة الداعية المغترب أهل البلد أفراحهم أو أتراحهم، بما لا يتنافى مع الشرع والخلق، والاجتهاد في تفهم عاداتهم تدريجيا. فمن خلال المشاركة في المناسبات الاجتماعية المختلفة يستطيع الداعية أن يسأل من حوله من أهل البلد عن عاداتهم المتبعة في هذه المناسبة، مثل الزواج والجنائز، وعيادة المرضى، والتهنئة بالمولود، أو المباركة بالنجاح في الدراسة أو الحصول على وظيفة. كما أن هناك الأعياد الرسمية التي قد تكون فرصة للداعية لفتح علاقات وصلات بأشخاص رسميين وأكاديميين.
كما أن الأعياد الإسلامية تكون فرصة للتعارف والتزاور بين المسلمين بهذا البلد، وخاصة الذين يعيشون في منطقة واحدة أو يصلون معا في مسجد واحد.
إن كل بلد يحتاج من الدعاة به أن يقوموا بإعداد دراسة حول عادات أهل هذا البلد في كافة المناسبات الاجتماعية، وكيفية استثمارها دعويا، مع ضرورة تصحيح وتجديد النية أثناء المشاركة في هذه المناسبات، على أنها عبادة نتقرب بها إلى الله تعالى لنيل رضوانه والفوز بجنات النعيم.
2- متابعة أخبار البلد المقيم فيه الداعية، من خلال نشرة يومية يستمع إليها، أو جريدة يومية يتابعها، ومعرفة أهم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي يعاني منها المجتمع.
3- الاستفادة من الأخلاق الإنسانية الموجودة في هذا المجتمع، فكثير من المجتمعات غير الإسلامية لديها قدر لا بأس به من الأخلاق الإنسانية، مثل إتقان العمل، وضبط الموعد، واحترام الخصوصيات، وغيرها، وعلى الداعية أن يستثمر وجود هذه الأخلاق بالبناء عليها.
4- تحري الرفقة الصالحة، والبعد عن رفقاء السوء، فالناس غالبا ينظرون مَن تصاحب وتصادق، لذلك وجب على الداعية أن يحترس من أن يتورط في علاقات قد تجعله في محل شبهة، وتفقده احترام الناس له.
5- تقييم النجاح في الدعوة بمدى التقدم أو التأخر، وليس على أساس تحقيق الأهداف الكبرى، وعلى الداعية ألا يستعجل، وليترك الفرصة للآخرين من بعده لمواصلة الطريق الذي بدأه.
6- الثبات على المبادئ، وعدم الخروج عليها، وليكن الداعية عصيا على الجر والتورط خاصةً في أوقات الأزمات الداخلية التي قد تحدث بين فصيل وآخر داخل البلد المقيم فيه، فهو داعية للخير، وصديق الجميع، ومتعاون أيضا مع الجميع في الحق والخير، ينظر للإيجابيات ويستبشر بها، ولا يركز على السلبيات. متصالح ومتسامح لا متخاصم ومتشاجر، إلف مألوف يحب الناس ويحبونه.
7- تحديد الأولويات وتنظيم الأوقات؛ لأن الوقت والجهد لا يتسع لكل شيء.. فيمكن مثلاً للداعية أن يركز على أفضل الشخصيات المسلمة التي يتعامل معها، والارتقاء بهم بهدف توريث الدعوة لهم، وإعداد البديل حال الرحيل. وعليه أيضا أن يجتهد في عقد تواصل وترابط بينهم عن طريق الأنشطة المختلفة.
وكذلك أهل البلد من غير المسلمين، ينبغي التركيز على الشخصيات الصالحة والمحترمة منهم، خاصة من لهم كلمة مسموعة في مجتمعهم. وقد جربنا ذلك كثيرا، فوجدنا أننا بحسن علاقاتنا حتى مع بعض الشيوعيين أو النصارى كانوا هم يردون على الاتهامات الموجهة للإسلام من خلال ما يرونه من تعاملاتنا معهم.
8- مواجهة الإعلام المعادي بواقعية وشفافية، والاعتراف بأن لدينا أخطاء وسلبيات، مع التأكيد على أن هذه الأخطاء والسلبيات إنما هي صادرة عن أفراد، ولا تقدح أبدا في ديننا.
9- الحرص على الصلة بالمسجد، وعلى أن تكون للداعية صحبة صالحة من خلاله، وأن يكون واسطة خير بين الجميع في حال الخلاف.
10- التماس الأعذار للمجتمعات حديثة العهد بالإسلام، وللجاليات الإسلامية داخل المجتمعات غير الإسلامية، والنظر إليهم بعين الرحمة والشفقة؛ نظرا لتعرضهم على مدى فترات طويلة لحملات التغريب وفصلهم عن الإسلام الصحيح.
فالداعية يجب أن يقيّم المجتمع في ضوء الظروف التاريخية التي مر بها، والعوامل المحلية والإقليمية التي أثرت وتؤثر فيه.
واجبات ما بعد العودة
1- أهم ما يجب أن يقوم به الداعية بعد عودته لوطنه هو أن يجتهد في تقييم التجربة التي مر بها، خاصةً أنه بعد عودته ينظر إلى التجربة من خارجها ومن خارج المؤثرات اليومية التي كان يتعرض لها، على أن يجتهد في تدوين سلبيات هذه التجربة بجانب إيجابياتها.
2- حري بالداعية أن يستمر تواصله مع الذين ربطته بهم صلة طيبة طوال فترة إقامته في الغربة، وأن يجتهد قدر استطاعته في مراسلتهم، ويدعو لهم بظهر الغيب، ويحرص على استقبال وضيافة من قد يزوره منهم أو من ذويهم في بلده، ومساعدتهم قدر استطاعته.
3- استمرار متابعة أخبار البلد الذي كان فيه، من خلال وسائل الإعلام المتاحة، وأن يجتهد في تعريف أهل بلده بأحوال الإسلام والمسلمين هناك، محاولا نقل الخبرة التي اكتسبها إلى إخوانه الذين يعتزمون السفر لتلك البلاد.
4- استمرار التواصل مع سفارة هذا البلد، وحضور احتفالاتها الوطنية، وإرسال التهاني والهدايا لها في هذه المناسبات، والحرص على التواصل الدعوي مع أبناء جالية هذا البلد.
5- متابعة ما يكتب في الإعلام المحلي عن هذا البلد، والعمل على تصحيح ما يحتاج إلى تصحيح، بالكتابات والمداخلات، وغيرها من صور التعبير.