الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

الداعية الإداري

العمل الإداري نشاط يهدف إلى تحقيق الأهداف المرسومة، وذلك في ضوء الإمكانات والظروف المتاحة، ويرتبط تحقيق تلك الأهداف بجدول زمني، وخطة محددة بوقت.

والدعوة، كغيرها من الأعمال، تحتاج إلى دربة وخبرة، وما من عمل أتقنه صاحبه بالفطرة، مصداق ذلك قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:78]، وموسى عليه السلام طلب الاستعانة بذي الخبرة حين قال: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه:29-32]، كما أن مما رشحه أن يؤاجره صاحب مَدْيَن للعمل توفر الشرطين الذين ذَكَرَتْهما إحدى البنتين: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص: 26]، وطالوت استحق الملك بما أوتي من بسطة في العلم والجسم.

وجاء في حديث معاذ رضي الله عنه لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال له: “إنك تأتي قومًا أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم”، وماذا قال له عليه الصلاة والسلام بعد ذلك في آخر الحديث؟ قال: “وإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب”(1).

نستنبط من هذا الحديث مسألة التكليف بالمهمات في العمل الإداري وجوانبها:

أولًا- لا بد من معرفة المهمة والبيئة المحيطة بها.

ثانيًا- لا بد من إعطاء بعض التعليمات في خطوات التنفيذ.

ثالثًا- لا بد من التحذير من عوائق النجاح.

وهكذا نجد هذا في حديثه صلى الله عليه وسلم، حيث بين له البيئة التي سيأتي فيها حتى يعرف مهمته وطبيعته، وذلك بقوله: “إنك تأتي قومًا أهل كتاب”، وأعطاه وسائل التنفيذ وهي التدرج؛ بأن يبدأ بالعقيدة، ثم بالصلاة، ثم بالزكاة، ثم بين له عوامل ومحاذير ينبغي تجنبها حتى لا تفشل مهمته، فقال: “إياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب”(2).

وكذلك يضرب الله لنا مثلًا آخر لنوعٍ آخر من أنواع الإدارة، والذي يعتبر من أروع أمثلة التخطيط الاقتصادي في القرآن الكريم، والمتمثل في خطة يوسف عليه السلام في مواجهة المجاعة القادمة على مصر، يقول الله تعالى: {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِه} [يوسف:47].

* نقلا عن موقع “تيار الإصلاح”.

 

مواضيع ذات صلة