الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

دراسة: جذور شبكة “الإسلاموفوبيا” في أميركا

تقرير الإسلاموفوبيا في أميركا يرصد أبعاد الحملة ضد الإسلام والمسلمين من دون أن ينشغل كغيره من التقارير بالتفاصيل النظرية المتعلقة بتعريف

ازدياد حالة الإسلاموفوبيا

تتكون شبكة الإسلاموفوبيا من 6 حلقات

ظاهرة الإسلاموفوبيا أو سياقها السياسي والحضاري. وهو عملٍ بحثي يستحق القراءة بدقة وعناية والترجمة إلى اللغة العربية لشرح محتواه المهم للقارئ العربي المعني بموضوعه.

وصدر التقرير عن مركز التقدم الأميركي (Center for American Progress)، وهو مركز أبحاث أميركي ليبرالي التوجه، يوضح مدى تطور شبكة الإسلاموفوبيا في أميركا خلال السنوات الماضية، والنمو السريع والمتصاعد لتلك الظاهرة، والتي تطورت بصفةٍ ملحوظة منذ عام 2001، ونمَت أكثر وبشكل مقلق خلال العامين الأخيرين.

الإسلاموفوبيا وخطورتها

تقول الدراسة: إن الإسلاموفوبيا هي “خوف، أو كراهية، أو عداء مبالغ فيه ضد الإسلام والمسلمين، وتقوم على صور نمطية سلبية، وتؤدي إلى التحيز ضد المسلمين والتمييز ضدهم وتهميشهم وإقصائهم من الحياة الأميركية الاجتماعية والسياسية والعامة”. وهي امتداد لحركات الكراهية الأميركية. وهي حركات عديدة وقديمة قِدم أميركا نفسها، وعانت منها تاريخيًّا جماعات أميركية مختلفة كالسود وبعض المهاجرين وبعض الطوائف الدينية “المسيحية” لأسبابٍ مختلفة.

وتضيف  الدراسة : ” شبكة الكراهية ليست حديثة في أميركا، ولكن قدرتها على التنظيم والتنسيق ونشر أيديولوجيتها من خلال المنظمات الجماهيرية زادت دراماتيكيًّا خلال السنوات العشر الأخيرة. أكثر من ذلك، أن قدرتها على التأثير في خطاب السياسيين وقضاياهم الخلافية في انتخابات عام 2012 حولت أفكارًا كانت تعتبر في السابق خطابًا متطرفا إلى تيار عام رئيسي”.

وهذا يعني أن شبكة الإسلاموفوبيا لم تولد في أميركا بعد أحداث 11 أيلول / سبتمبر، فقد وُجدت قبل ذلك بسنوات. وتشير الدراسة إلى كتابات بعض رواد “شركة الإسلاموفوبيا” ومواقفهم كستيفن إمرسون) مؤسس ومدير مركز المشروع التحقيقي عن الإرهاب تعود إلى النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي.

وكانت قفزة الإسلاموفوبيا الكبرى في أميركا على مرحلتين:

المرحلة الأولى هي التالية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، إذ شهدت نموًّا واسعًا لظاهرة الإسلاموفوبيا حيث امتدت إلى عددٍ أكبرَ من الخبراء ووسائل الإعلام والحركات اليمينية الأميركية، مما أدى إلى تدهورٍ كبير في صورة الإسلام والمسلمين.

وتشير استطلاعات الرأي الأميركية إلى أن الإسلام هو أكثر الأديان التي ينظر لها سلبيًّا في أميركا في الوقت الحاضر، حيث ينظر 37% فقط من الأميركيين بنظرة تفضيلية للإسلام، وهي النسبة الأقل منذ عشر سنوات، وذلك وفقًا لاستطلاعٍ قامت به شبكة (ABC Agency)وصحيفة واشنطن بوست في عام 2010. وهي نظرة تُرجمت في رفض مجتمعي أميركي للمسلمين الأميركيين، حيث تشير الاستطلاعات إلى أن 28% من الناخبين الأميركيين لا يعتقدون أن المسلمين يحق لهم الخدمة في المحكمة العليا الأميركية، ويعتقد ثلث الأميركيين تقريبًا أنه يجب منع المسلمين من الترشح للرئاسة، وذلك وفقًا لاستطلاع مجلة تايم الأميركية في عام 2010.

أما مرحلة النمو الثانية، فهي الفترة منذ عام 2008 وحتى الآن، إذ يتضح من التقرير أن خروج الجمهوريين من الحكم وصعود نجم الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما أدى إلى تشددٍ كبير من جانب الحركات اليمينية الأميركية وتحرر يدها في الهجوم على الإسلام والمسلمين، كما رأى بعضهم في باراك أوباما ومسلمي أميركا عدوا مشتركًا. إذ عمد هؤلاء إلى تصوير أوباما على أنه مسلم أو مسلم مستتر يخفي إسلامه، أو شخص متعاطف مع المسلمين، وصبوا غضبهم عليه وعلى المسلمين على أنهم جزءٌ من مؤامرة ضد أميركا.

ويرصد التقرير عددًا من المقولات الخطيرة في حق أوباما والمسلمين، إذ كتب فرانك غافني أحد أبرز أعضاء شبكة الإسلاموفوبيا في أميركا وفقًا للدراسة – مؤسس ومدير مركز سياسات الأمن – مقالا بعنوان “أول رئيس مسلم لأميركا؟”، يقول فيه إن هناك “أدلة متراكمة على أن الرئيس ليس فقط مرتبطًا بالمسلمين، ولكنه أيضا قد يكون لا يزال واحدًا منهم”.

شبكة الإسلاموفوبيا

يقول معدو الدراسة إن دراستهم هي بمثابة “خطوة أولى مطلوبة لفضح تأثير المؤسسات والأشخاص والجماعات التي تكون شبكة الإسلاموفوبيا في أميركا”، كما تشير إلى أن شبكة الإسلاموفوبيا تتكون من ست حلقات رئيسة تتضمن كل حلقة عددًا من المؤسسات المتخصصة.

الحلقة الأولى هي حلقة التمويل، والتي تضم مجموعة من المؤسسات الخيرية التي تعمل في مجال تمويل الأعمال البحثية والعلمية. وتوفر هذه المؤسسات ملايين الدولارات للحلقة الثانية من حلقات شبكة الإسلاموفوبيا والتي تتضمن مجموعة من الخبراء المعنيين بقضايا الإرهاب والإسلام والمسلمين الأميركيين وعلاقة أميركا مع العالم الإسلامي.

ويرتدي هؤلاء الخبراء “المزيفون” زي رجال العلم وقبعات الخبراء والمثقفين، وفي الحقيقة هم يستخدمون بعض القدرات العلمية في إنتاج أبحاثٍ ومقالات وكتبٍ غير علمية ومليئة بالمغالطات عن الإسلام والمسلمين، وتكون هذه المواد القاعدة الفكرية التي تبني عليها حلقات الإسلاموفوبيا الأخرى عملها في تشويه صورة الإسلام والمسلمين.

الحلقة الثالثة هي حلقة اليمين الأميركي المتدين، ويلعب فيها عدد من قادة هذا التيار دورًا بالغ الخطورة في نشر الأفكار المعادية للإسلام والمسلمين في أوساط المسيحيين المتدينين، وذلك بالتعاون مع الحلقة الرابعة وهي حلقة المنظمات الجماهيرية، أو منظمات العمل السياسي والجماهيري والتعبئة الجماهيرية المعنية بنشر الخوف من الإسلام والمسلمين في أميركا.

وتتخصص هذه المنظمات في تنظيم الأفراد جماهيريا وسياسيا بالاستعانة بخبراء متخصصين بالعمل السياسي في الولايات المتحدة، يستخدمون أحدث الأساليب الحديثة (الإلكترونية والتقليدية) في تعبئة الجماهير وتوحيدهم وإشراكهم في الندوات والمؤتمرات والمظاهرات المعادية للإسلام والمسلمين في أميركا.

أما الحلقة الخامسة من حلقات شبكة الإسلاموفوبيا في أميركا فتضم الإعلام اليميني الأميركي المتشدد الذي يستضيف خبراءَ الشبكة ونشطاءَها الجماهيريين وسياسييها ورجال الدين الداعمين لدعوتها ويحولهم إلى قادة رأي تُنشر أخبارهم وتُوزع على أوسع نطاق ويَرجع الإعلام إليهم كجزء أصيل من سعيه لتغطية الأخبار والأحداث، وبهذا تنتشر رسالة الإسلاموفوبيا ويتحول القائمون عليها إلى خبراء يُحتفى بهم.

أما الحلقة السادسة والأخيرة والمؤسفة فهي حركة بعض السياسيين الأميركيين اليمينيين الذين تبنوا دعاوى الإسلاموفوبيا وتحدثوا عنها وحولوها أحيانًا إلى قواعدَ للسياسات وجلسات الاستماع في الكونغرس الأميركي، وبهذا أعطَوا شبكة الإسلاموفوبيا مزيدًا من الصدقية، وسعوا إلى ترجمتها إلى قوانين وسياسات، وحولوها إلى قضية سياسية ينقسم بشأنها السياسيون الأميركيون بين مؤيدٍ ومعارض.

قيادات شبكة الإسلاموفوبيا

الدراسة مليئة بأمثلةٍ عديدة عن أهم الفاعلين في شبكة الإسلاموفوبيا، وبعضهم أكثر شهرةً من الآخرين.وبالطبع يصعب عرض جميع تلك الأسماء والمؤسسات، لذا رأينا أن نلخص في الفقرات التالية بعض أهم هؤلاء الفاعلين.

أولا: فيما يتعلق بالتمويل، تشير الدراسة إلى سبع مؤسسات خيرية منحت مجموعة من مراكز الأبحاث المعنية بنشر الإسلاموفوبيا 42.6 مليون دولار بين عامي 2001 و2009، وهو رقم كبير يشير إلى قيمة التمويل الذي تتمتع به مراكز أبحاث تُذكي الإسلاموفوبيا، وبعض هذه الأبحاث معروفٌ بدعمه لقضايا اليمين الأميركي وإسرائيل، وبعضها أقل شهرةً.

وتمول مصادر التمويل ذاتها مراكز أبحاث يمينية معروفة مثل “هيرتاج فوندايشن” (Heritage Foundation) ومعهد “أميركان انتربرايز” (The American Enterprise Institute) المعروف بأنه أحد أهم معاقل المحافظين الجدد في واشنطن.

ويقول التقرير إن “هذه الأموال تمكن جماعة صغيرة للغاية ومترابطة من الكتاب والخبراء والمنظمين النشطاء الجماهيريين اليمينيين والراديكاليين من صياغة وتشارك حزم من المعلومات الخاطئة عن الإسلام والمسلمين الأميركيين”.

ثانيًا: فيما يتعلق بخبراء الإسلاموفوبيا، يركز التقرير على دانيال بايبس وفرانك جافنيyوستيفن إميرسون  وروبرت سبنسر ولكل واحد منهم حكاية طويلة مع الإسلام والمسلمين في أميركا وسلسلة من الكتابات المسيئة.

ويتبنى هؤلاء أفكارًا تركز على مهاجمة الشريعة الإسلامية على أنها “أيديولوجية سلطوية” و”مبدأ سياسي قانوني عسكري”. ويقولون إن الشريعة هي المشكلة وإن المساجد هي “أحصنة طروادة” لإدخال الشريعة إلى أميركا، وإن أميركا عرضة للجهاد، وإن “الجهاد الخفي” يسعى إلى نشر الشريعة في أميركا.

ثالثًا: على مستوى المنظمات الجماهيرية، يتحدث التقرير عن عددٍ من المنظمات التي أُسست حديثًا، وعلى رأسها منظمة “أوقفوا أسلمة أميركا” وترْأسها باميلا جيلر  ومنظمة “تصرفوا من أجل أميركا” ويرْأسها بريجيت جبريل وعن تعاون تلك المنظمات مع حركة حفلات الشاي الأميركي الصاعدة.

وتحول تلك المنظمات أفكار خبراء الإسلاموفوبيا المغلوطة إلى حملات جماهيرية مستخدمة أحدث أساليب التعبئة الجماهيرية والعمل السياسي، الإلكترونية منها والعملية، وتدعي منظمة “تصرفوا من أجل أميركا” أنها تمتلك 573 فرعًا عبر الولايات الأميركية، وأنها تعد في صفوفها 170 ألف عضو، وقد بلغت ميزانية المنظمة في عام 2009 نحو مليون دولار أميركي، وهي أموال تضاف إلى ميزانية وموارد شبكة الإسلاموفوبيا وأعضائها ونشاطاتها.

رابعًا: تستفيد الحلقات السابقة من دعم قادة اليمين المسيحي المتشددين في أميركا، حيث تركز الدراسة على عددٍ من القادة الكبار الذين باتوا يلعبون دورًا متزايدًا في نشر الإسلاموفوبيا في أميركا، وعلى رأسهم بات روبتسون وجون هاغيورالف ريد وفرانكلين غرام  وهم جميعًا من القادة الدينيين والسياسيين المعروفين في أميركا، ولهم أتباعٌ ومريدون يقدرون بعشرات الآلاف وفقًا للتقديرات المتحفظة. ويتبنى هؤلاء مقولات خبراء الإسلاموفوبيا ونشطائها، ويضفون عليها صدقية لدى أتباعهم.

خامسًا: يأتي دور وسائل الإعلام الأميركية اليمينية، حيث ترصد الدراسة عددًا من الفاعلين الكبار وعلى رأسهم شبكة “فوكس نيوز”، وصحيفة “واشنطن تايمز”، ومجلة “ناشيونال ريفيو”، وشبكة “سي بي إن” التابعة لبات روبرتسون، وعددًا من نجوم البرامج الحوارية الأميركية مثل رش ليمبو وشون هانيتيyوغلين بك وغيرهم.

ويقول التقرير إن السياسيين يدعمون شبكة الإسلاموفوبيا بدرجةٍ كبيرة من خلال “ترويج أساطيرهم على أنها حقائق، وصياغة حملات لجمع التبرعات السياسية واجتذاب ناخبين جدد بناءً على معلوماتٍ كاذبة عن الإسلام والمسلمين”.

وخلصت الدراسة في النهاية إلى نقطتين مهمتين:

أولًا: ازدياد حالة الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة الأميركية، وهي الآن أكثر انتشارًا مما كانت عليه قبل سنوات مضت، بل إنها زادت بشكلٍ دراماتيكي منذ عام 2008.

ثانيًا: للإسلاموفوبيا تنظيمها الخاص، وتتمتع بشبكةٍ من المنظمات المتكاملة والمتعاونة في عملها وبميزانية ضخمة وخبراء ومناصرين.

——–

المصدر: موقع إسلام أون لاين.

مواضيع ذات صلة