القائمة الرئيسية
 الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

بيان القرآن للناس(2)

د. حسان عبدالله (خاص بموقع مهارات الدعوة)

آثار التوحيد في حياة المسلم

كما ذكرنا في البيان الأول فإن التوحيد أساس الإيمان في العقيدة الإسلامية، ويتمثل في شهادة لا إله إلا الله؛ فالإيمان بـ”لا إله إلا الله” هو الركن الأساسي في تعليم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو مركز الإسلام ومصدر قوته وكل ما عداه من معتقدات الإسلام وأحكامه وقوانينه إنما تقوم على هذا الأساس نفسه، ولا تستمد قوتها إلا منه، والإسلام لا يبقى منه شيء لو زال هذا الأساس من مكانه([1]).

والتوحيد يستلزم نفي أربعة أمور، وتثبتاً من أربعة أمور؛ فينفي: الآلهة، والطواغيت، والأنداد، والأرباب، فالآلهة ما قصدته بشيء، من جلب خير أو دفع ضر، والطواغيت من عبد وهو راض أو رشح للعبادة، والأنداد ما جذبك عن دين الله من أهل أو مسكن أو عشيرة أو مال، والأرباب من أفتاك بمخالفة الحق وأطعته، ويتطلب التوحيد أيضاً التثبت من أربعة: القصد وهو كونك ما تقصد إلا الله، والتعظيم، والخوف، والرجاء([2]).

آثار التوحيد في حياة المسلم

يحقق التوحيد في حياة المسلم الركائز الآتية([3]):

  1. تحرير الإنسان: فالتوحيد تحرير للإنسان من كل عبودية إلا لربه الذي خلقه، تحرير لعقله من الأوهام والخرافات، وتحرير لضميره من الخضوع والذل والاستسلام، وتحرير لحياته من تسلط الفراعنة والأرباب والمتألهين على عباد الله.
  2. تكوين الشخصية المتزنة: فهو يعين –أيضا– على تكوين الشخصية المتزنة التي تميزت في الحياة وجهتها، وتوحدت غايتها، وتحدد طريقها، فليس لها إلا إله واحد تتجه إليه في الخلوة والجلوة، وتدعوه في السراء والضراء، وتعمل على ما يرضيه في الصغيرة والكبيرة.
  3. التوحيد مصدر لأمن النفس: فالتوحيد يملأ نفس صاحب أمناً وطمأنينة، فقد سد منافذ الخوف التي يفتحها الناس على أنفسهم: الخوف على الرزق، والخوف على الأجل، والخوف على الأهل والأولاد، والخوف من الإنس والجن، والخوف من الموت، فالمؤمن الموحد لا يخاف إلا الله، مطمئناً إذا قلق الناس، هادئاً إذا اضطرب الناس.
  4. التوحيد مصدر لقوة النفس: فالتوحيد يمنح صاحبه قوة نفسية هائلة لما تمتلئ به نفسه من الرجاء في الله، والثقة به، والتوكل عليه، والرضا بقضائه والصبر على بلائه والاستغناء عن خلقه، كذلك فالتوحيد أساس للإخاء والمساواة؛ لأن كل الناس عباد لله.

وتمتد مساحة العبادة –في ضوء التوحيد- إلى كل حركة الإنسان ونشاطه حتى نومه وإشباعاته الضرورية والحيوية؛ فطالما انطلقت من مبدئية النظر والتصور التي يقرها التوحيد؛ فهي في ميزان المسلم وفي درجاته. ومن هنا جاء تعريف العبادة اصطلاحًا بأنها “اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، فالصلاة والزكاة والصيام والحج، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم، والذكر، والقراءة… وأمثال ذلك من العبادة”([4]).

وبالتالي لا يقتصر مفهوم العبادة في الإسلام على الأركان الرئيسية؛ من صلاة وزكاة وصوم وحج فقط، وإنما العبادة في الإسلام تمتد لتلقي بظلالها على كل مناحي حياة المسلم وكل نشاطاته التي يجب أن تخضع لذلك المعنى، يقول تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162]. يقول صاحب الظلال في تفسير هذه الآية: “…. إن التجرد الكامل لله، بكل خالجة في القلب وبكل حركة في الحياة، وبالصلاة والاعتكاف، وبالمحيا والممات، بالشعائر التعبدية، وبالحياة الواقعية، إنها تسبيحة التوحيد المطلق والعبودة الكاملة تجمع الصلاة والاعتكاف والمحيا والممات وتخلصها لله وحده… والقوام المهمين المتصرف المربي الموجه الحاكم للعالمين، في إسلام كامل لا يستبقى في النفس ولا في الحياة بقية لا يعبدها إلا لله”([5]).

ومن ثم فالنشاط الإنساني –كله– للمسلم يدخل ضمن مفهوم العبادة بشرطين أساسيين هما: أن يكون ذلك النشاط وفق الشرع الإسلامي، وأن يكون المقصود به مرضاة الله وطاعته، فأي نشاط إذا توافر له الشرطان السابقان؛ فإنه يعد في نظر الإسلام عبادة، ويدخل في ذلك الأعمال الاجتماعية، والسعي على المعاش، والأكل والشرب، والمعاملات السياسية والتجارية.

والفكر الإسلامي المعاصر يحتاج إلى ذلك المفهوم الشامل والمقصود من العبادة في الإسلام؛ فالواقع الإسلامي المتخلف علميا وتقنيا يجب أن يدخل في حساباته أن هذا التخلف إنما يعني تقصيرا عباديا نحو الله –سبحانه وتعالى– ونحو الفهم الصحيح للإسلام، فالعزوف عن الحياة وعدم المشاركة في حضارتها، والتقوقع داخل الذات وعدم القدرة على الفعل والممارسة، وعدم الرغبة النفسية في الابتكار والإبداع، كل ذلك لم يأمرنا به الإسلام، وهذا ما يوضح الفرق بين المسلمين الأوائل، ومسلمي هذا الزمان؛ فالفريق الأول كانت لديه منهجية فكرية واضحة عن الإسلام وعن معنى العبادة ومعنى الإيمان، فترتب على ذلك تفوقهم في مجالات العلوم التجريبية الطبيعية، والإنسانية الاجتماعية، والرياضية الصورية، وكان هذا التفوق والازدهار في المجتمع الإسلامي الرائد من أبلغ صور الدعوة إلى الله، ومن أبلغ صور الجهاد، ومن أعلى مراتب العبادة لله([6]).

 

([1]) أبو الأعلى المودودي: مبادئ الإسلام، دار العدالة للنشر والتوزيع، 1984، ص91 .

([2]) محمد بن سعيد القحطاني: الولاء والبراء، دار طيبة، ط3، 1980، ص 24.

([3]) يوسف القرضاوي: التوحيد، مكتبة وهبة، ط7، 1989، ص 81-85 باختصار.

([4])سيد قطب: خصائص التصور الإسلامي ومقوماته، دار الشروق، ط4، 1978، ص 212، 213.

([5]) سيد قطب: ظلال القرآن، ج3، دار الشروق، ط15، 1988، ص 1240، 1241.

([6]) محمد عبد الغني شامة: التخلف في العالم الإسلامي بين الداء والدواء، القسم الثاني، سلسلة قضايا إسلامية العدد 30، (القاهرة: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، 1997)، ص (28).

مواضيع ذات صلة